مع فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، ودخول هيلاري كلينتون العزلة الاختيارية، تكون قد انتهت الانتخابات الرئاسية الأميركية «غير العادية». إلا أن تداعياتها ستلقي بظلالها على السياسة الأميركية لفترة طويلة.حتى قبل إعلان النتائج، أجمعت وسائل الإعلام الغربية على وصف الانتخابات الرئاسية بـ«القبيحة»، وذلك بسبب اعتماد الحزبين الحاكمين على الفضائح والتخويف والتهويل والشتائم والاتهامات لجذب الناخبين، ليتحول الاستحقاق من حدث سياسي إلى مشهد استعراضي غير مقنع. ولكن وسط كل هذا الضجيج، هناك حقيقة لا يمكن إنكارها: الشعب تمرّد على أحزابه.
في المبدأ، خسر الحزبان الحاكمان في هذه الانتخابات، إذ إن الانقسام الحاد بين النخب الحاكمة والقاعدة الشعبية بات أمراً واقعاً في الحزبين، على حد سواء. ولن يكون سهلاً ترميم هذا الشرخ. فترامب، الذي رفضته القيادات الجمهورية وأعلنت الصحف «موته السياسي» مراراً، وصل إلى البيت الأبيض وأصبح الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة بطلب شعبي بحت. وهيلاري، التي أيّدها حزبها بشتى الطرق (وصل ذلك إلى حد التآمر على بيرني ساندرز وعرقلة حملته الانتخابية)، خسرت بالرغم من الدعم المالي والإعلامي والسياسي والفني والعالمي الهائل وغير المسبوق.
وفي هذا السياق، فإنّ التأييد الشعبي الذي حصل عليه كل من ترامب وساندرز، وضع حداً للنفوذ السياسي الذي تمتعت به النخب لسنوات طويلة، والتي لم تأبه خلالها (أو لم تنتبه أصلاً) لتزايد النقمة الشعبية الأميركية على جميع الأصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذا ما أشار إليه ساندرز، أمس، في أول تعليق له على فوز ترامب.
بات الانقسام بين النخب الحاكمة والقاعدة الشعبية أمراً واقعاً

وقال ساندرز إن ترامب نجح في «استغلال غضب الطبقة الوسطى التي لم تعد قادرة على تحمّل المؤسسة الاقتصادية ولا المؤسسة السياسية ولا المؤسسة الإعلامية». وأضاف أنّ «الناس تعبت من العمل لساعات أطول مقابل أجر أقل، ومن رؤية وظائف ذات رواتب لائقة تذهب إلى الصين وغيرها من البلدان ذات الأجور المنخفضة، ومن أصحاب المليارات الذين لا يدفعون ضرائب الدخل الاتحادية، ومن عدم القدرة على تأمين التعليم الجامعي لأولادهم... كل ذلك يجري، في حين أن الأغنياء يزدادون ثراء». وتابع ساندرز: «إذا كان ترامب يريد فعلاً تطبيق سياسات ترمي إلى تحسين حياة طبقة العمّال في هذا البلد، فإنني إلى جانب تقدميين آخرين، مستعدون للعمل معه».
وفور إعلان فوز ترامب، سارع العديد من الديموقراطيين، وخاصةً فئة الشباب، إلى تحميل «الحزب الديموقراطي» نفسه المسؤولية وذلك لترشيحه هيلاري و«الغدر» بساندرز. فهيلاري تمثّل الطبقة الحاكمة بامتياز، أي تلك التي تضع مصالح الشركات الكبرى فوق البرامج والتغييرات التي تطالب بها القاعدة. كما أنها تأتي من بيت سياسي ساهم في بناء بيوت المال التي تسببت بأزمات مالية كبرى عصفت بحياة الملايين من الأميركيين الذين بات القلق الاقتصادي على رأس أولوياتهم والمحرّك الرئيسي لتوجهاتهم السياسية. إضافة إلى ذلك، فإن فضيحة البريد الإلكتروني الشخصي لكلينتون وإيمان الديموقراطيين (وفق الاستفتاءات) بـ«إخفاقها» في التعامل مع هذا الملف وتبريره، ساهم في توسيع الهوة بينها وبين الناخبين.
في مقابل ذلك، كان ساندرز «الاشتراكي الديموقراطي» الآتي من «خارج النظام»، قد نجح في استقطاب الجماهير، وخاصةً جيل الثمانينيات والتسعينيات، والتواصل معهم بلغة يفهمونها، ويشعرون بها، وعبّر عن القضايا التي ليست فقط أساسية بالنسبة إليهم، بل هي «شغف». ويعدُّ سيناتور ولاية فيرمونت، عدو الواحد في المئة، والذي وقف لثماني ساعات ونصف ساعة يخطب في الكونغرس الأميركي ضد الاقتطاعات الضريبية التي أعطيت للشركات الكبرى، والذي رفض قبول التبرعات من تكتلات أصحاب رؤوس الأموال (علماً بأن حملته تلقت أكبر كم من التبرعات الفردية في تاريخ الانتخابات في أميركا)، والذي لا يوفر مناسبة ليهاجم المؤسسة الإعلامية. وكان قد دعا صراحةً إلى «ثورة سياسية» وعمل من أجل إصلاح نظام الرعاية الصحية بحيث تدفع الدولة كل التكاليف، وإلغاء ديون الطلبة، وإقرار 15 دولاراً للساعة كحد أدنى للأجور، وتقويض البنوك الكبرى، وإجبار الأغنياء على دفع نصيبهم العادل من الضرائب.
وكانت كل الاستفتاءات (قبل تبني الحزب الديموقراطي ترشيح لهيلاري) قد أشارت إلى قدرة ساندرز على التفوّق على ترامب أكثر من هيلاري، وهذا ما أكّده ساندرز مراراً في حملاته، إلى جانب تأكيد ترامب نفسه أنه يفضّل مواجهة هيلاري، لا مواجهة بيرني، مشيراً إلى أن «هذا ما سيحصل، لأن النظام ضد بيرني».
أما بالنسبة إلى «الحزب الجمهوري»، فقد خضع للأمر الواقع، ورشّح ترامب «الشعبوي» الآتي من خارج «المؤسسة» التقليدية. فرجل الأعمال الثري، الذي لم يشغل في حياته منصباً ووصفته الصحافة بـ«الجاهل سياسياً» وهاجمته النخب الجمهورية حتى أكثر من الخصوم، عبّر عن «الجمهوريين المنسيين» الذين تجاهلهم حزبهم وخذلهم، وبالتالي فقدوا «الثقة» بالطبقة السياسية الحاكمة. هؤلاء الناس أسقطوا آل بوش، غير آبهين بالتاريخ السياسي والخبرة، واختاروا رجلاً «من الشعب» قادراً على التعبير، بصراحته الفظة وعنجهيته وامتناعه عن التقيد بمقتضيات «الصواب السياسي»، عن كل ما يشعرون به (الجميل والقبيح) دون خجل أو تردد. وترامب «المنعدم الكفاءة والمثير للجدل أخلاقياً» يعي الغضب والاستياء الذي تشعر به طبقة كبيرة من الناخبين من البيض، والطبقة الوسطى، والطبقة العاملة، إزاء سياسات العولمة، والقلق الذي يشعرون به، ويفهم الثقافة السائدة التي تحبّذ العمل الاستعراضي على المضمون. وبالتالي، استندت حملته إلى «الدفاع عن الهوية الأميركية» وعظمتها (بكل ما فيها من عنصرية ورفض للآخر) بطريقة استعراضية، وإلى مهاجمة «النظام المغشوش والفاسد»، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة «إعادة» الوظائف إلى «الأميركيين الحقيقيين».
ولعل الانقلاب الذي أحدثه ترامب، قد عبّر عنه المستشار السياسي روجر ستون، حين قال إن «الحزب لن يعود حزب جيب بوش الأشبه بنادٍ للترفيه، لن يعود حزب بول راين وميتش ماكونيل في واشنطن... إنّ حركة ترامب ستكون مهيمنة في الحزب وستكون مهمة وتحظى بتأثير».





صندوق النقد: لمراجعة العولمة

رأى صندوق النقد الدولي، أمس، أنّ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة على برنامجه الداعي إلى الحمائية، يثبّت الحاجة إلى إيلاء مزيد من الاهتمام "لعواقب" العولمة والتجارة الدولية.
وصرّح المتحدث باسم الصندوق، جيري رايس، بأنه "يجب إيلاء مزيد من الاهتمام لمعالجة عواقب التجارة الدولية لحماية مصالح الذين يشعرون بأنهم مهملون"، مضيفاً أنّ العولمة يفترض أن تفيد "الجميع" أكثر مما هو حاصل حالياً.
وأضاف رايس "علينا التزود بإجراءات إضافية للحد من العواقب وطمأنة مخاوف الذين يشعرون بأنهم مهملون"، ما يعكس تعديلا طفيفا في موقف المؤسسة المالية.
ورفض رايس التكهن بشأن سلوك ادارة ترامب المقبلة تجاه الصندوق الذي تمثّل الولايات المتحدة اهم مساهميه. وقال إنّ "صندوق النقد الدولي مستعد للعمل مع الادارة الاميركية المقبلة لمواجهة التحديات التي يواجهها الاقتصاد الاميركي والعالمي".
من جهة أخرى، أعرب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (الصورة)، عن استعداد بلاده لإعادة التفاوض على "اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية ــ الينا" تلبية لرغبة عبّر عنها الرئيس الاميركي المنتخب أثناء حملته.
(أ ف ب)