strong>يتحدّث البنك الدولي عن كارثة اجتماعيّة تنشأ في بلدان تنفق أكثر من 50 في المئة من دخلها على الغذاء. ولكن ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة ليس الهاجس الوحيد في العالم، وليس في البلدان الفقيرة فقط. فمؤشّرات عدم المساواة تتزايد لدى «المتقدّمين» و«النامين» على حدّ سواء
نشر المركز الوطني الفرنسي للدراسات والإحصاء، أخيراً، دراسة اقتصادية تشير إلى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء في فرنسا. وبحسب الدراسة، فإنّ أكثر 10 في المئة من الفقراء في فرنسا، الذين يتقاضون سنوياً أقلّ من 9720 يورو، ارتفعت مداخيلهم بنسبة 1.7 في المئة فقط، مقابل ارتفاع مداخيل الـ10 في المئة الأكثر غنى (أكثر من 33190 يورو سنوياً) بنسبة 2.9 في المئة. هذه الأرقام، إذا ما عولجت بحسب معايير مقياس «جيني» (مقياس اقتصادي يعتمد الصفر كعلامة مساواةٍ اجتماعية مطلقة، والواحد كعلامة لا مساواة مطلقة)، أوصلت التقرير إلى احتساب علامة 0.293 للوضع الاقتصادي الفرنسي. رقم وإن كان متواضعاً، إلّا أنّه يثير ارتياب الخبراء وخشيتهم من مضاعفات أكبر، كونه يلمّح إلى ارتفاع خطير طرأ على الهوة الاجتماعية في فرنسا خلال الأعوام القليلة الماضية، والذي يبدو أن سياسة اليمين المتشدّد اقتصادياً ستحمله إلى مزيدٍ من التدهور قريباً.
قضية اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء تشغل بال الدول النامية والمتطورة على حدّ سواء حالياً، ففي كندا، نشر المكتب الرسمي للإحصاء في أيّار الماضي، دراسةً أشار فيها إلى تزايد ثروات الأغنياء بنسبة 16.4 في المئة، في مقابل تراجع إيرادات الفقراء بـ20.6 بالمئة خلال العشرين عاماً الماضية، وذلك في ظلّ ركودٍ مالي يسيطر على الطبقة الوسطى التي لم تتحسن مداخيلها سوى بنسبة 0.1 في المئة.
وفي القارّة السوداء، ارتفع معدّل انعدام المساواة جنوب أفريقيا، على مقياس «جيني»، إلى 0.62 بالمئة، ليبقى دخل المواطن الأسود لا يتجاوز 12.5 في المئة من معدّل دخل المواطن الأبيض، وذلك بعد 14 عاماً على انهيار النظام العنصري.
من جهته، العالم العربي يعاني. فحسب دراسة أعدّها المدير العام السابق لـ«منظمة العمل العربي»، إبراهيم قويدر، فإنّ ربع المواطنين العرب يعيشون تحت خطّ الفقر ويزدادون سنوياً بنسب كبيرة. وعلى صعيد آخر، يقول مدير «مجلس تعزيز التفاهم العربي ـــ البريطاني»، كريس دويل، إنّ الاستثمارات العربية في الخارج ارتفعت 64 مليار دولار في العام الماضي وحده، وهو رقم صاحبه ارتفاع في ثروات الأغنياء العرب، لا سيما المستثمرين في إنتاج النفط الذي ارتفعت أسعاره بنسب قياسيّة.
إسرائيل لم تكن أفضل حالاً، فرغم مؤشرات النمو الاقتصادي المنتعش، أظهرت بيانات دائرة الإحصاء المركزية تبوّء إسرائيل المركز الأول بين «الدول» المتقدمة في مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العالمي الخاص بالفوارق بالدخل بين الأغنياء والفقراء، يدفع ثمن ذلك المواطنون من الأقلية العربية الذين يعيشون على معدل دخل يقارب نصف الحد الأدنى للدخل الشهري في إسرائيل.
الخبير الاقتصادي الفرنسي، كاميل لاندي، لم يكن متفائلاً في إمكان الحدّ من هذا التدهور الاجتماعي العالمي، في ظل التضخم الهائل، واحتكار الثروات والموارد، وأبرَز خوفاً من انحدار العالم بسرعة في اتجاه التوقّعات التي وضعت في تسعينيّات القرن الماضي، والتي أشارت إلى اتجاه العالم نحو مرحلة فرز تقسمه إلى خمسٍ غني وأربعة أخماسٍ فقير خلال الخمسين سنة المقبلة.
ويتوقّع لاندي أن تمضي العولمة الاقتصادية قدماً في حصر الثروة في يد أقلّ قدر من المتموّلين وأصحاب المصالح، في مقابل ازدياد الفقراء فقراً وخسارتهم شيئاً فشيئاً القدرة الشرائية والمعيشية، ما ينبئ بكارثة تحوّل العالم إلى قنبلة اجتماعيّة إنسانية موقوتة.
ويقول لاندي إنّ ارتفاع الأسعار العالمية وكلفة المعيشة، واعتماد الدول سياسة فتح الأسواق أمام الشركات وتحرير التجارة والتساهل مع الاحتكار... جميع تلك العوامل تسبّب هبوط الطبقة الوسطى إلى حضن الطبقات الفقيرة، مقابل ازدياد ثروات الأغنياء، لسبب بسيط، هو أن الأخيرين هم المستفيدون المباشرون من هذه العوامل، بحسب الأرقام والدراسات التي تظهر تملكهم مقدّرات العوامل المذكورة، بينما النسبة الأكبر من سكان العالم يتحوّلون إلى مستهلكين للمعاملات التجاريّة الضخمة ومنتجات سوق العوملة.
... هذه الأرقام والمعطيات الآخذة في التفاقم، تشغل معظم مراكز الأبحاث والدراسات حول العالم، ولا تحدّها تطمينات البنك الدولي، المتهم نفسه بأنه لاعب أساسي في تحطيم اقتصاديّات العالم التقليدية على حائط «العولمة السعيدة»... سعادة يبدو أنّ الغارقين فيها يمرّون عاماً بعد عامٍ على مزيد من الفقر والبؤس في جيوب موبوءة بالتعاسة.
(الأخبار)


ثبات بعد تقدّم

بلغ عدد الفقراء في فرنسا عام 2006، 7.9 ملايين نسمة، يمثّلون 13.2 في المئة من الفرنسيّين. وبحسب تقرير المركز الوطني الفرنسي للبحوث الاقتصاديّة والإحصاءات، فإنّ الفقر حافظ على مستوى ثابت منذ عام 2002، بعدما شهدت فرنسا سنوات من تراجعه المستمرّ. وأوضح التقرير أنّ الفقراء المعنيّين يُعرّفون بأنّهم من يتقاضون أقلّ من 880 دولاراً في الشهر، في بلد يبلغ معدّل الدخل فيه 1470 يورو شهرياً. واللافت هو أنّ 30 في المئة من العائلات المكوّنة من أب أو أم والأطفال، هي فقيرة.