strong>كشفت وزارة الخزانة الأميركيّة عن تفاصيل الخطّة التي ستنقذ الأسواق الماليّة المضطربة من خلال استخدام 700 مليار دولار لشراء المنتجات الماليّة الهالكة (تلك المتعلّقة بالرهون العقاريّة). وذلك بعد أسبوع من انهيار مصرف «LEHMAN BROTHERS» الذي أطلق أكبر أزمة ثقة في «وول ستريت»
«إنّها حزمة (ماليّة) كبيرة لأنّ المشكلة كبيرة»، بهذه العبارة أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش تبنّيه للخطة الماليّة التي عمل على بلورتها وزير الخزانة، هنري بولسون، ورئيس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي، وهدفها معالجة الأزمة الماليّة التي ما انفكّت تتطوّر منذ منتصف العام الماضي، لتصل إلى ذروتها مع انعدام الثقة تماماً بين اللاعبين في الأسواق الماليّة إثر انهيار رابع أكبر مصرف استثماري في البلاد، «LEHMAN BOTHERS»، وإنقاذ الحكومة عملاق التأمين «AIG» عبر شراء 79% منها بمبلغ 85 مليار دولار من الأموال العامّة.
هذه الخطة تمسّ الأموال العمومية، مرّة جديدة، ولكن بهدف «إنهاء الأزمة لمرّة واحدة وأخيرة» من خلال القضاء على أسبابها: المنتجات الماليّة المتعلّقة بالرهون العقاريّة والتي أدّى انعدام الرقابة عليها إلى انتفاخها بطريقة غير عاديّة وإلى ارتفاع أسعار المنازل ارتفاعاً مصطنعاً، ما دفع نحو أزمة الائتمان في «وول ستريت» وفي سائر البورصات العالميّة.
فبحسب الخطّة الإنقاذيّة المفترضة، التي تنتظر مباركة المشرّعين والشيوخ الديموقراطيّين، سيتمّ إعطاء صلاحيّات غير محدودة لوزارة الخزانة في التصرّف بمبلغ 700 مليار دولار، تستغلّه لتنظيف «وول ستريت»: شراء وبيع المنتجات الماليّة بما يضمن أن يعيد ثقة المستثمرين بـ«النظام».
ولكن تلك الخطّة التي سترفع الدين العام الأميركي من 10.6 تريليونات دولار إلى 11.3 تريلون دولار، يختلف على طريقة تطبيقها والتعديلات التي يجب أن تطرأ عليها، كلّ من الديموقراطيّين والجمهوريّين.
ففيما منح حزب الرئيس بركته الكاملة للإجراءات المفترضة، لفت الحزب المسيطر على الكونغرس، إلى أنّها لم تتطرّق إلى العديد من المسائل، ولا تزال تحتاج إلى تعديلات، وفي هذا السياق، قالت رئيسة مجلس النوّاب، نانسي بيلوسي، «سنسعى أيضاً (عند دراسة الخطّة قبل إقرارها) إلى حماية الأميركيّين أصحاب الدخل المحدود والدخل المنخفض، من الانهيار في وول ستريت، وذلك من خلال إطلاق حزمة تحفيز اقتصادي لخلق الوظائف وإعادة النموّ إلى اقتصادنا».
ومعركة الديموقراطيّين مع البيت الأبيض، في هذا السياق، قد تتصاعد حدّتها قبل إقرار الخطّة في بدايات هذا الأسبوع. فبحسب النائب الديموقراطي، بارني فرانك، الذي يرأس اللجنة البرلمانيّة لشؤون الخدمات الماليّة، فإنّ حزبه سيسعى إلى الحدّ من المبالغ الضخمة المتوقّع أن تُدفع للمديرين التنفيذيّين في المؤسّسات الماليّة الضخمة، وهو إجراء يرفضه لوبي الجمهوريّين.
وبالفعل، فإنّ الصراع على كيفيّة إدارة الأموال العامّة بسبب الأزمة الأخيرة، أعاد إلى الأذهان أكلاف احتلال العراق والميزانيّة الضخمة لوزارة الدفاع، إذ إن المبلغ الوارد في خطّة الإنقاذ يفرض على كلّ أميركي، لا فقط دافعي الضرائب، ما متوسطه 2000 دولار.
وبشكل عام، فإنّ الأسواق التي ارتفعت مؤشّراتها بأعلى معدّلات منذ 6 سنوات، إثر الحديث الأوّلي عن الخطّة يوم الخميس الماضي، استمرّ أداؤها الإيجابي، وارتفع مؤشّر «DOW JONES» بنسبة 3.4 في المئة عند الإقفال يوم الخميس الماضي. ولكنّ المستثمرين لا يزالون متوجّسين من إمكان عدم دعم الكونغرس للخطّة كلياً.
وتعدّ هذا الخطّة الإجراء الأحدث والأكثر نوعيّة لمعالجة اضطرابات «وول ستريت»، وقبل نهاية التداولات الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الخزانة أنّها ستستخدم 50 مليار دولار من صندوق الطوارئ الذي أسّس عام 1930. وتهدف من وراء المبلغ إلى التدخّل في أسواق العملات الأجنبيّة لوقف التدهور الحاصل في قطاع الصناديق التبادليّة التي تحوي أكثر من 3.5 تريليونات دولار من الإيداعات. وهذا التطوّر لحق إعلان لجنة رقابة على السوق، أنّها ستفرض حظراً، يستمرّ 10 أيّام، على عمليّات البيع المكشوف لأسهم تابعة لـ799 مؤسّسة ماليّة.
وذلك كلّه فيما ضخّ الاحتياطي الفدرالي أكثر من 180 مليار دولار في الأسواق، من أجل تأمين السيولة التي أصبحت عملة نادرة بين المؤسّسات الماليّة، ما رفع أسعار فوائد الإقراض وهدّد الإقراض في القطاعات الاقتصاديّة الأخرى.
إذاً، من المتوقّع أن يبقى الأداء الإيجابي مسيطراً في «وول ستريت» هذا الأسبوع على وقع تفاصيل الخطّة. ولكن الأسئلة التي تطرح تتعلّق بالمصالح العامّة والمستدامة للأميركيّين. فالرئيس بوش تحدّث عن أنّ خطّة الإنقاذ، وإن كانت ستحدث آلاماً لدافعي الضرائب، إلّا أنّها تهدف إلى تجنّب الآلام على المدى الطويل. لكنّها سترفع العجز في الميزانيّة، الذي يزيد حالياً على 500 مليار دولار، ويعدّ مرضاً مزمناً للماليّة العامّة... الهدف: «إعادة الثقة».
(الأخبار)


ماتت السوق الحرّة

تتصاعد أصوات بعض السياسيّين المحافظين في الولايات المتّحدة بشأن كيف أنّ خطّة الإنقاذ تعدّ خرقاً فاضحاً لمبادئ الاقتصاد الكلاسيكي: الأسواق تستطيع موازنة نفسها. فالسيناتور الجمهوري جيم بانينغ، يشدّد على أنّ «السوق الحرّة ماتت في أميركا». كذلك، فإنّه إلى جانب انتقادات الديموقراطيّين، وعلى الرغم من أنّ المبلغ المقترح (700 مليار دولار) يعدّ كافياً لإتمام الإجراءات المقترحة، إلّا أنّ الشركات الماليّة تملك أصولاً على علاقة بالرهون العقاريّة تقارب قيمتها تريليون دولار، ما قد يقلّص التوقعات من النتائج المحتملة.