1.5 مليون شخص ومؤسّسة سيحصلون على تعويضات من مبلغ 7.2 مليارات دولار، الذي أقرّ أنّه مناسب لمحو الخسائر التي لحقت باستثماراتهم في شركة «ENRON». المثير هو أنّ استذكار هذه القضية، التي ستبلغ أتعاب المحامين فيها 688 مليون دولار، يعطي دروساً لاقتصاد السوق المتّجه باطّراد نحو التقنين
حسن شقراني
في 2 كانون الأوّل عام 2001، وبعد اجتماع طويل ومرهق ودراسات قانونيّة معمّقة ولمسات أخيرة تطلّبت ليلة كاملة لإتمامها، أرسل مجلس إدارة شركة «ENRON» للطاقة، طلب الإفلاس الرسمي إلى محكمة الإفلاس الفدراليّة في نيويورك. الإجراء جاء بعد وصول سعر سهم الشركة إلى دولار واحد، منخفضاً بمعدّلات قاسية عن مستواه التاريخي الأعلى، الذي فاق الـ90 دولاراً.
قضيّة الشركة الأميركيّة تكمن في صلبها ممارسات فساد واحتيال. ففي عام 2006 أُدين مؤسّسها، كينيث لاي، بسبب دوره في انهيارها، على خلفيّة تهم بالتآمر والغشّ.... ولكن تلك التهم مُحيت بعد موته في العام نفسه بسبب أزمة قلبيّة.
مات لاي ولكن مطالب المستثمرين والمساهمين بقيت حيّة، من أجل استعادة حقوق ضاعت بعد انهيار أدّى إلى فقدان آلاف الوظائف ومحو أكثر من 60 مليار دولار من القيمة السوقيّة وأكثر من ملياري دولار قيمة تعويضات نهاية الخدمة. تلك المطالب التي تبلورت بادعاء يطالب المؤسّسات الماليّة «JP MORGAN CHASE» و«BANK OF AMERICA» و«CITIGROUP»... بتعويضات قيمتها 40 مليار دولار بسبب «المشاركة في الجريمة الماليّة»، تحقّقت وسيحظى المساهمون بحصص من مبلغ 7.2 مليارات دولار.
والمثير في القضيّة التي يقضي بموجبها المدير التنفيذي السابق للشركة جيفري سكيلينغ عقوبة 24 عاماً في سجن في مينيسوتا، هو أنّ مكتب المحاماة الذي تسلّمها، «COUGHLIN STOIA GELLER RUDMAN & ROBBINS»، سيتقاضى 688 مليون دولار من قيمة التعويض، أي ما يمثّل 9.52 في المئة من المبلغ الإجمالي.
وهذا الموضوع أثار صخباً متعلّقاً ببند حقوق المحامين. وتعليقاً على هذا الأمر، شدّد المدّعي العام لولاية تكساس، غريغ آبوت، على رفضه دفع ملايين الدولارت إلى محامي المدّعين، فيما هذا المبلغ يجب أن يُمنح إلى الرجال والنساء الكادحين الذين عانوا من ممارسات ENRON».
وعلى الرغم من أنّ هذه المسألة تخلق جدلاً قانونياً وأخلاقياً عن مدى قيمة الأتعاب المفروض تقاضيها، إلّا أنّ الفكرة الأساس في القضية تبقى في مراجعة الأسباب التي أوصلت عملاق الطاقة السابق إلى مرحلة الانهيار، ومقارنتها مع ما يحدث في المؤسّسات الماليّة من بنوك استثمار وصناديق تحوّط وغيرها في «WALL STREET».
فقبل 11 شهراً من انهيار الشركة، وتحديداً في الأسبوع الثاني من كانون الثاني عام 2001، ألقى كينيث لاي خطاباً رنّاناً في احتفال نظّمته الشركة للاحتفال بالعام الجديد، قال فيه إنّ «ENRON» ستتحوّل لتصبح «أعظم شركة في العالم». وبالفعل فإنّ ترتيبها على لائحة أعظم الشركات الـ500 في العالم، التي تصدرها مجلّة «FORTUNE»، كان قد تقدّم جداً نحو القمّة.
والشركة العملاقة التي كانت مقيّمة بمليارات الدولارات، كانت تنوي التوسّع في مجال أعمالها: من الغاز الطبيعي نحو عالم الإنترنت. ولكن محاسبيها الأوائل والقيّمين على «الشؤون الجادّة» فيها، كانوا يعلمون أنّها تنهار... وليس ببطء.
وهذا النمط من الانهيارات يشبه (ليس من ناحية الفساد الجليّ) ما حدث للمؤسّسات الماليّة في خضمّ المعمعة التي ولّدها انفجار فقاعة الرهون العقاريّة في الولايات المتّحدة. فالمؤسّسات الماليّة المشاركة في عمليّة «كسب الأرباح السهلة»، وتحديداً المصارف الاستثماريّة لم تؤدّ دورها الشفّاف في تعاطيها مع سلطات الرقابة ومع الأشخاص والمؤسّسات أو حتّى البلدان المستثمرة. فكثير من المستثمرين والمصارف المركزيّة تفكّر الآن في رفع دعاوى على مؤسّسات ماليّة ساهمت في الترويج للأدوات الماليّة المعقّدة التي بيعت على أساسها الرهون، على أنّها استثمارات آمنة.
وهذا هو السبب الأساسي الذي دفع السلطات النقديّة والماليّة الأميركيّة إلى تطوير صلاحيّات التقنين، والتدخّل مباشرة لإنقاذ السوق من انعكاسات آليّة التوازن التي يفترضها. والمثال الأبرز على ذلك يظهر في الإجراءات التي اتخذتها تلك السلطات لإنقاذ عملاقي الرهون العقاريّة، «FREDDIE MAC» و«FANNIE MAE»، اللذين يسيطران على نحو 50 في المئة من سوق الرهونات الذي يقارب حجمه الـ12 تريليون دولار. فماذا كان حدث مثلاً لو أنّ المؤسّسات الماليّة استطاعت التمديد أكثر لآليّة التغطية على عمليّاتها الموبوءة بالمخاطر؟
... عمليّات الاحتيال انكشفت في «ENRON» في غضون 11 شهراً بعد الاحتفال الذي «بشّر باعتلائها المركز الأوّل»، والآن سيدفع مساعدوها الماليّون ثمن الفساد: تغطية ديون بمليارات الدولارات وإظهار المشاريع الفاشلة على أنّها استثمارات مربحة.


خطّة التعويض

ستحدّد الحصص من مبلغ الـ7.2 مليارات دولار الذي سيمنح للمساهمين، عبر معادلة تأخذ بعين الاعتبار السعر الذي اشتري على أساسه السهم في الفترة بين التاسع من أيلول عام 1997 وكانون الأوّل من عام 2001 فقط. وبحسب خطّة التوزيع سيحصل المستثمرون على 6.79 دولارات مقابل السهم العادي، وعلى168.5 دولاراً مقابل السهم التفضيلي. وتعدّ «جامعة كاليفورنيا» المدّعي الأوّل الذي حرّك هذه القضيّة، التي سيعوّض بموجبها على مدّعين رفعوا دعاوى في نيويورك وهاواي، بشأن خطط تقاعد.