قرّرت منظّمة الدول المصدّرة للنفط، أمس، خفض إنتاجها من الوقود الأحفوري بواقع 1.5 مليون برميل يومياً. خطوة تريد منها «أوبك» السيطرة على الانزلاق الدراماتيكي لسعر البرميل، الذي انخفض أكثر من 50 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ولكن السوق الخائفة من الركود سجّلت تراجعاً إضافياً، فيما صقور المنظّمة يريدون إجراءات أكثر جذريّة
حسن شقراني
«اجتماع طارئ» عقدته منظّمة «أوبك» في فيينا، أمس. كان موعده مقرّراً في 27 من الشهر المقبل، إلّا أنّه تغيّر لملاقاة التدهور الحاصل في سوق الوقود الأحفوري وفي الطلب عليه، وبالتالي كبح المعروض لإعادة السعر إلى مستويات يعتبرها الأعضاء عادلة لثروتهم الطبيعيّة. القرار كان بخفض الإنتاج 1.5 مليون برميل يومياً، تبدأ مفاعيله في الأوّل من الشهر المقبل، بحسب وزير النفط السعودي علي النعيمي. وهو يعتبر، حسبما يتضح بالحد الأدنى، نوعاً من المساومة بين صقور المنظّمة (إيران، فنزويلا، ليبيا) والبلد الأكثر نفوذاً فيها، المصدّر الأكبر للنفط في العالم، السعوديّة.
فالبلدان الثلاثة المذكورة إذ راقبت ممتعضة انخفاض سعر برميل النفط من 147 دولاراً في تمّوز الماضي، إلى 67 دولاراً خلال الأيّام الأخيرة (بسبب الأزمة الماليّة التي أصبح محرّكها «هواجس الركود»)، شدّدت خلال الفترة الأخيرة على ضرورة خفض إنتاج منظّمتهم، البالغ 29 مليون برميل يومياً، بواقع مليوني برميل يومياً، من أجل إعادة رفع الأسعار.
هذا الخفض لم يحصل. ولكن رئيس المنظّمة، وزير النفط الجزائري، شكيب خليل، تحدّث عن أنّ الخفض قد يصل حجمه إلى 1.8 مليون برميل مع نهاية العام الجاري، مشدّداً على أنّ «هذا الإجراء لن يكون له أثر على التضخّم. أو على النموّ». لأنّ دول المنظّمة تقوم بالفعل بتخطّي «كوتا» الإنتاج المحدّدة لها بواقع 300 ألف برميل، وهو واقع يثير غضب طهران وكاراكاس وطرابلس. وخصوصاً أنّ السعوديّة قرّرت في مؤتمر جدّة في في حزيران الماضي، زيادة إنتاجها 500 ألف برميل يومياً، لمواجهة ما سمّي حينها «النقص في السوق».
وعلى أيّ حال، فإنّ القرار الذي اتخذ في العاصمة النمساويّة أمس، لم يكن مفعوله مباشراً. بل على العكس. انخفض سعر برميل النفط الخفيف المتداولة عقوده في نيويورك حوالى 3 دولارات، ليصل إلى 64 دولاراً. وإذا لم يؤدِّ القرار (أو القرارات التي ستلحقه، التي لفت إليها خليل لدى وصوله إلى فيينا أوّل من أمس) إلى رفع السعر إلى مستوى يراوح بين 80 دولاراً و90 دولاراً (فنزويلا وإيران لا تريدان سعراً دون الـ100 دولار)، وبقي نمط التراجع هو المسيطر على الأسواق بسبب المخاوف من الكساد، فإنّ القضيّة تصبح أكثر خطورة.
فالمرّة الأخيرة التي انخفض فيها سعر البرميل دون مستوى الـ50 دولاراً كان عام 2006. حينها قامت السعوديّة وزملاؤها بخفض كبير بلغ 1.7 مليون برميل يومياً. وهو إجراء أثبت جدواه، وأدّى خلال الصيف الماضي، في ظلّ ارتفاع الطلب ارتفاعاً كبيراً (وتحديداً من الصين) إلى ارتفاع السعر إلى مستواه القياسي التاريخي.
غير أنّ المرحلة الحاليّة التي يمرّ بها الاقتصاد الكوني، والتي تطبعها عوامل ما بعد الهدوء النسبي لأزمة الائتمان (من ناحية أنّها أزمة ماليّة) وتحوّلها لتنعكس على الاقتصادات الحقيقيّة لتبشّر بركود عالمي، مختلفة بالفعل. وفي هذا الصدد تقول صحيفة «نيويورك تايمز» إنّه فيما يرتفع حجم المخزونات يتوقّع عدد كبير من المحلّلين أن ينخفض الاستهلاك العالمي للنفط هذا العام، وذلك للمرّة الأولى منذ عام 1983. فالطلب على النفط انخفض بالفعل في البلدان الصناعيّة خلال السنوات الثلاث الماضي، وخلال المرحلة الحاليّة يبدو هذا الانخفاض آتياً من البلدان النامية، مع ظهور علامات ضعف النموّ في الصين (سجّل الاقتصاد في الفصل الثالث من العام الجاري نسبة نموّ دون الـ10 في المئة، وذلك للمرّة الأولى منذ 4 سنوات).
وبحسب وزارة الطاقة الأميركيّة، فإنّ الطلب على النفط في الولايات المتّحدة، المستهلك الأوّل للوقود الأحفوري في العالم، انخفض إلى أدنى مستوياته خلال 5 أعوام، ليصل إلى 18.6 مليون برميل يومياً. فـ38 أسبوعاً من بين الـ42 أسبوعاً الماضية، شهدت انخفاضاً في الطلب على النفط، وخلال الأسابيع الأربعة الماضية، سجّل الطلب انخفاضاً نسبته 10 في المئة مقارنةً بالفترة من العام الماضي.
إذاً فبلدان المنظمة تبدو حائرة في هذه المرحلة. فمن جهة زعماؤها أطلقوا مشاريع استثماريّة ضخمة تقوم أساساً على العائدات النفطيّة المتوقّعة في ظلّ أسعار مرتفعة، ومن جهة أخرى، فإنّ موجة الركود التي تهدّد الاقتصاد العالمي، توضح أنّ الطلب على النفط سيستمرّ بالانخفاض خلال المرحلة المقبلة. وبالتالي فلجوء «أوبك» إلى خفض الإنتاج بطريقة أكثر جذريّة مستقبلياً لا يبدو أنّه سيكون له أثر دراماتيكي (رفع الأسعار فوق حاجز الـ90 دولاراً) وخصوصاً أنّ بلداناً أخرى خارج المنظّمة، مثل روسيا، لا تبدو مستعدّة لخفض الإنتاج لاعتماد اقتصادها الشديد على القطاع النفطي.


«خيبة أمل»

برّرت «أوبك» قرارها خفض الإنتاج الذي ستسهم فيه السعوديّة بـ433 ألف برميل يومياً، بالقول إنّ «الأزمة الماليّة كان لها أصلاً أثر واضح في الاقتصاد العالمي وخفضت الطلب على الطاقة» في سوق «مشبع أصلاً». وأضافت إنّ «أوبك شهدت انهياراً غير مسبوق للأسعار يهدّد وجود العديد من المشاريع النفطية ويحمل على إلغاء أخرى». غير أنّ هذا التبرير لم يقنع البيت الأبيض، الذي ندّد بالقرار معتبراً أنّه يناقض الإدارة الجيّدة لآليّة عمل السوق، فيما أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون، أن بريطانيا «خاب أملها» من القرار.