بدءاً من 1/1/2009، سيصبح احتلال العراق واقعاً «شرعياً»، قد يكون أدقّ توصيف له هو الانتداب. حقيقة لا تغيّر فيها شيئاً، التهانئ التي تسابق الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ومعظم مسؤولي الكتل السياسية العراقية على توجيهها إلى العراقيين، على خلفية تصويت 144 نائباً عنهم على الاتفاقيّة الأميركية ـــــ العراقية (سوفا) وملحق بها تحت عنوان «اتفاق الإطار الاستراتيجي لصداقة طويلة الأمد» بين البلدين، في مقابل رفض اقتصر على 35 نائباً، 30 منهم ينتمون إلى التيار الصدري.الجلسة التي كادت «تطير» بفعل المطالب ـــــ الشروط السياسية التي وضعتها كتلتا «جبهة التوافق» و«التحالف الكردستاني»، لم تدم أكثر من 25 دقيقة، على عكس عادات اجتماعات مجلس النواب. جلسة تخلّلها عصيان كتلة النواب الصدريين باللافتات والصراخ لعلّهم يوقظون ضمائر زملائهم الذين ظلت البسمة مسيطرة على وجوههم، لعلمهم أنهم حقّقوا مكاسب سياسية إزاء مواطنيهم ومنافسيهم السياسيين، على حساب سيادة بلدهم المحتل.
غير أن جلسة يوم أمس «المشؤومة»، حملت في طيّاتها أملاً ما بإمكان حصر الأضرار. أمل بات العراقيون يتحمّلون مسؤولية ترجمته عملياً في الثلاثين من تموز المقبل، حين سيكونون مدعوّين إلى الإدلاء بأصواتهم في استفتاء شعبي يحدّد مصير «سوفا» وشقيقتها: إما الرمي في سلة المهملات، إذا سمح الاحتلال بذلك، أو أن يثبّت هذا الاستفتاء بقاءه «إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً». كلام وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، التي قللت أول من أمس من أهمية الاستفتاء، لا يبشّر بالخير.
وكان المالكي عاطفياً في كلمته المتلفزة التي وجهها إلى شعبه لـ«يبارك له فيها انتزاع حقوقه» من خلال «الاتفاقيّة» التي «تمثل الخطوة الاولى في مسيرتنا في استعادة كامل السيادة الوطنية». لكن بدا في كلامه شيء من الحذر، عندما أشار إلى أن «التحدي المقبل لا يقل أهمية وخطورة»، وهو يكمن في «التنفيذ الكامل لنصوص ومضامين الاتفاق بدءاً من استكمال استعادة الملف الامني في مختلف المحافظات، الى إتمام انسحاب القوات الاجنبية في المواعيد المحددة» أي 30 حزيران بالنسبة للمدن والقرى والقصبات، ونهاية 2011 من كامل الأراضي العراقية.
وقد يكون كلام المالكي موجّهاً إلى شعبه وخصومه، لكن أيضاً إلى دول الجوار التي انقسمت بين متحفّظ على الاتفاقية (إيران) ورافض كلياً لها (سوريا) ومرحّب علناً بها (تركيا) وصامت عنها (الأردن والسعودية).
لكن فات المالكي التحدّث عن مصير الكباش السياسي والطائفي الذي قد يكون سمة المرحلة المقبلة في بلاد الرافدين، ولا سيما بين حكومته المركزية، ومسؤولي إقليم كردستان، وخصوصاً أن استحقاقات محلية وإقليمية مصيرية يقترب موعدها، بدءاً من انتخابات المحافظات العراقية في كانون الثاني مروراً بالانتخابات الإيرانية المقررة في حزيران وصولاً إلى استفتاء تموز... في ظلّ حكم رئيس أميركي جديد هو باراك أوباما ينتظر العالم لمعرفة ما إذا كان سيلتزم بوعوده «التغييرية»، وخصوصاً تجاه العراق.