رأى المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة أن العدوان على قطاع غزة استمرار للحصار بوسائل أخرى، مشيراً إلى أن التحضير له جاء بعد تنسيق أمني سياسي مع قوى عربية وفلسطينية.وقال بشارة، في مقال صحافي، «عندما فشل الحصار التجويعي على القطاع في كسر إرادة أهله، لم يعد ممكناً الاستمرار في إحكامه فترة طويلة، وأصبح محتوماً لمن يريد الاستمرار في النهج نفسه لتحقيق الهدف نفسه أن يقوم بعملية عسكرية». ورأى أن العدوان يأتي بالتزامن مع «المزايدات بين القوى السياسية الإسرائيلية في التنافس الدموي على كسب قلب الشارع الإسرائيلي المجروح الكرامة من لبنان»، مضيفاً إن «من لم يأت إلى حوار القاهرة للاعتراف بانتصار الحصار وبنتائجه السياسية المستحقة، سيدفع الثمن. كانت هذه هي الفرصة الأخيرة التي يُلام عليها من لم يستغلّها. تماماً كما أعذر من أنذر ياسر عرفات عندما لم يقبل بكامب ديفيد، وكما أعذر من أنذر سوريا بعد الحرب على العراق، ومن أنذر حزب الله على طاولة الحوار التي سبقت تموز 2006».
وقال بشارة إن «التحضير للعدوان جاء بعد تنسيق أمني سياسي مع قوى عربية وفلسطينية أو إعلامها على الأقل، حسب نوع العلاقة ومستواها»، مشيراً إلى أن موقف بعض القوى العربية من إسرائيل «يراوح بين اعتبارها حليفاً موضوعياً ضمنياً حالياً أو حليفاً مستقبلياً سافراً، وبين اعتبار النقاش معها مجرد سوء تفاهم».
ولفت بشارة إلى عدم وجود تناقض بين تنسيق العدوان مع بعض العرب وبين إدانة العدوان الصادرة عنهم، «بل قد تكون الإدانة نفسها منسّقة». ويجري هذا فعلاً بالصيغة التالية «نحن نتفهم العدوان ونحمّل حركة حماس المسؤولية، وعليكم أيضاً أن تتفهموا اضطرارنا إلى الإدانة.. قد نطالبكم بوقف إطلاق النار، ولكن لا تأخذوا مطلبنا بجدية، وحاولوا أن تنهوا الموضوع بسرعة وإلّا فسنضطر إلى مطالبتكم بجدية».
وأكد بشارة أن «من يعرقل عقد القمة يريد أن يأتيها بعد أن تنهي إسرائيل المهمة، ومن يذهب إليها في ظل القصف الإسرائيلي الآن يعرف بعقل السلطان وغريزته أنه رغم التردّي العربي فإن الذي يقف مع إسرائيل لا يزال يخسر عربياً». ورأى أنه «عندما قرّر جزء من النظام العربي الرسمي أن إسرائيل ليست عدواً، بل ربما هي حليف ممكن أيضاً، صارت دوله تتحين الفرص للسلام المنفرد، وتدعم أي شهادة زور فلسطينية على نمط «عملية السلام»، وعلى نمط «لا نريد أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين»».
وأشار بشارة إلى أن «من اتجه للتسوية (من الدول العربية) منع المقاومة الشعبية في بلاده، ولكنه لم يستطع شن الحرب عليها في البلدان التي بقيت فيها مقاومة»، لافتاً إلى أن المقاومة دامت فقط في «البلدان التي تضعف فيها الدولة المركزية ولا يمكنها منع المقاومة» مثل السلطة الفلسطينية ولبنان والعراق، مستنتجاً أنه «من هنا يستعين هذا المحور العربي بإسرائيل مباشرة لضرب المقاومة».
ونعى بشارة «الرأي العام العالمي»، معتبراً أن هذا «مصطلح وهمي، والشرعية الدولية مصطلح عربي»، مؤكداً أن «المقاومة اللبنانية لو فشلت في الدفاع عن ذاتها، لما نفعها مجلس أمن ولا برلمان أوروبي، ولانتقلت شماتة «المعتدلين» إلى التبجح وحصد نتائج انتصار إسرائيل الذي لم يأت».
وقال بشارة إن «حصار السلطة الفلسطينية المنتخبة وعدم منحها فرصة، وتفضيل شروط إسرائيل وإملاءاتها على انتخابات ديموقراطية وعلى إرادة الشعوب، فضحت قذارة الحديث الأوروبي عن الأخلاق في السياسة، فأوروبا هي الأقل أخلاقاً خارج أراضيها». وأضاف إن «الأساس هو الصمود على الأرض، وقلب حسابات العدوان بحيث يدفع المعتدي ثمناً»، لافتاً إلى أن «هذا ما سيفرض نفسه على القمة العربية، وعلى الهيئات الدولية». وتابع أنه «لا معنى للتضامن السياسي المطلوب عربياً، إذا لم يدعم صمود المقاومة».
وتخوّف المناضل الفلسطيني من «أن يتحول التضامن العربي الانفعالي إلى تنفيس عربي، فبعده تستفرد إسرائيل بنفَسها الطويل بالشعب على الأرض»، مؤكداً «ضرورة وضع أهداف سياسية، أهمها أن تخسر إسرائيل المعركة سياسياً، وذلك بإضعاف التيار الذي يؤيد أي تسوية معها ومحاصرته».
(الأخبار)