strong>تتباعد وجهات النظر بين الاقتصادات الكبرى في شأن أولويّة معالجة الأزمة الاقتصاديّة، وتزداد تلك الخلافات، وخصوصاً بين أوروبا والولايات المتّحدة لتمثّلّ «خطراً» على الجهود المبذولة لمواجهة موجة الركود، وتحديداً قبل قمّة مجموعة الدول العشرين الكبرى، وأيضاً فيما يحذّر صندوق النقد الدولي من أنّ الاقتصاد العالمي سيتقلّص بنسبة قد تصل إلى 1 في المئة في 2009
وضعت الولايات المتّحدة (مدعومة باليابان) وأوروبا الخلافات بشأن أولويّات العلاج في هذه المرحلة من التأزّم الاقتصادي العالمي، جانباً خلال قمّة وزراء مال ومحافظي المصارف المركزيّة من بلدان مجموعة العشرين الكبرى في وقت سابق من الشهر الجاري. ولكن تلك الخلافات لا تزال موجودة وبقوّة، وأساسها أنّ الأميركيّين يرون أنّ اللجوء إلى إقرار خطط تحفيز اقتصادي بحجم تلك التي أعدّتها إدارة الرئيس باراك أوباما هو الأساس في هذه المرحلة، فيما يقول زعماء القارّة العجوز إنّهم فعلوا الكثير، ويجب التركيز حالياً على أسس إصلاح نظام الرقابة على المصارف والمؤسّسات الماليّة العالميّة.
وقد تصل تلك الخلافات إلى مرحلة تمثّّل عندها «خطراً» على الجهود المبذولة، وعلى الاقتصاد العالمي عموماً، وفقاً لتحذيرات المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل أمس. فهي رأت أنّ «اتخاذ البلدان على ضفتَي الأطلسي تدابير مختلفة (في مواجهة الأزمة الاقتصاديّة) هو خطر كبير». وشدّدت في كلمة أمام مجلس النوّاب على «أنّنا نحتاج إلى إشارات إيجابيّة نفسياً من لندن»، حيث سيعقد زعماء مجموعة الدول العشرين الكبرى قمّة لمعالجة النظام الاقتصادي والمالي العالمي.
ورفضت ميركل الانتقادات الأميركيّة التي تقول إنّ مبلغ الـ109 مليارات دولار الذي ضخّته إدارتها في أكبر اقتصاد أوروبي غير كافٍ لتحفيز الاقتصاد. وقالت «نحن في الطليعة. إنّنا نسهم (في ضخّ) مبلغ فوق المعدّل. وهذا منطقي لأنّ بلدنا يعتمد على الصادرات، ومن مصلحتنا عودة الاقتصاد العالمي إلى النموّ».
أصداء هذا الرفض الأوروبي للضغوط الأميركيّة في شأن «نقص التدابير» تردّد في بروكسل، حيث من المفترض أن يعقد الأوروبيّون اجتماعات مهمّة لتوحيد الصف قبل قمّة لندن.
وأعرب رئيس حكومة لوكسمبورغ، جان كلود يونكر، عن رفضه لـ«الأُمنية الأميركيّة» بقيام الأوروبيّين باعتماد رزم تحفيز اقتصادي أكبر. وهو ما أكّده رئيس الوزراء الهولندي جان بالكينينديه حين قال: «لا أفهم الانتقادات التي تقول إنّ أوروبا لا تقوم بما يكفي لأنّنا فعلنا الكثير».
وبحسب رئيس الوزراء السويدي، فريديريك راينتفيدت، فإنّ «عدداً كبيراً من البلدان الأعضاء (في الاتحاد الأوروبي) هي في حالة عجز ضخم يخلق مشاكل الآن وفي المستقبل». ومن المعروف أنّ الاتحاد يفرض على الأعضاء عدم تخطّي نسبة عجز الموازنة 3 في المئة. وقد بدأت المفوّضيّة بالفعل بفرض عقوبات على الحكومات المخلّة بهذه القاعدة.
بلدان الاتحاد تبنّت بالفعل خطط تحفيز اقتصادي كبيرة تبلغ قيمتها الإجماليّة 400 مليار يورو (545 مليار دولار) أي ما يمثّل 3.3 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي للبلدان الـ27، فيما الخطّة الأميركيّة تمثّل 5.6 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي.
والرقم الأوروبي يتضمّن في الوقت نفسه التدابير الوطنيّة وعلى صعيد المفوّضيّة الأوروبيّة، إضافةً إلى الزيادات التلقائيّة في المساعدات الاجتماعيّة، وخصوصاً للعاطلين من العمل.
ولكن هذه المرحلة حسّاسة جداً من ناحية صياغة المدخل المناسب للعلاج الاقتصادي. فحتّى لو كانت أولويّة تقنين القطاع المالي أساسيّة بالنسبة إلى أوروبا بعيداً من الملاحظات الأميركيّة، يجب تخطّي الخلافات عبر حلّ وسط يُطرح على طاولة زعماء أكبر اقتصادات في العالم في 2 نيسان المقبل، لأنّ أفق الاقتصاد العالمي يزداد سوداويّة.
ففي توقّعاته الأخيرة يُرجّح صندوق النقد الدولي تقلّص الاقتصاد الكوني بنسبة تراوح بين 0.5 في المئة و1 في المئة، وذلك للمرّة الأولى منذ 60 عاماً. ويقول الصندوق إنّ الاقتصاد الأميركي سينكمش بنسبة 2.6 في المئة، بعد مراجعة حادّة للأرقام السابقة التي كان الصندوق قد قدّمها في كانون الثاني الماضي حين قال إنّ الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 0.5 في المئة خلال العام الجاري.
ووردت تلك الأرقام في ورقة توصيات قدّمها الصندوق إلى اجتماع وزراء الـ«G20» في لندن الأسبوع الماضي، دعت الدول العشرين الكبرى إلى اتخاذ خطوات لإراحة اقتصاداتها من الأصول الماليّة السيّئة وإنعاش سوق الائتمان، ومن دون تلك الخطوات فإنّ «الركود (العالمي) سيكون أعمق وأطول»، حتّى ولو اتخذت البلدان خطوات لتحفيز اقتصاداتها.
ويدعو الصندوق بلدان «G20» إلى إنفاق ما يعادل 2 في المئة من ناتجها المحلّي الإجمالي على خطط التحفيز في عامي 2009 و2010، وهو ما يدعمه وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايثنر وترفضه بلدان أوروبيّة عديدة، ومن هنا تنبع «الخطورة».
(الأخبار)


تقلّص قياسي

تبرز أهميّة التدابير الماكرو اقتصاديّة في هذه المرحلة بعدما شهدت بلدان العالم الصناعي تراجعاً حاداً في اقتصاداتها خلال الفترة الأخيرة. ففي الربع الأخير من العام الماضي تقلّص الناتج الكوني الإجمالي بنسبة غير مسبوقة بلغت 5 في المئة، حيث تقلّص الاقتصاد الأميركي بنسبة 6.2 في المئة فيما انكمش الاقتصاد الياباني بنسبة 13 في المئة، وهي قياسيّة منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية. والتوقّعات الجديدة لصندوق النقد تأتي بعدما حذّر البنك الدولي من أنّ الاقتصاد العالمي سيتقلّص بنسبة قد تصل إلى 2 في المئة في عام 2009.