توتّر ملموس يحكم العلاقات السعوديّة ـــــ الإماراتيّة في هذه الآونة. فمنذ أن رفضت أبو ظبي اختيار المملكة مقرّاً للمصرف المركزي الخليجي، تبدو تصريحات الجانبين تصعيديّة لتتحوّل إلى إجراءات. فقد أوردت التقارير الإعلاميّة أنّ السلطات السعوديّة شدّدت إجراءات دخول الشاحنات الإماراتيّة إلى أراضي المملكة، في عمليّة هدفها مواجهة المخدّرات والكحول!
حسن شقراني
للأسف، لم يكن اختيار الرياض مقرّاً للمصرف المركزي الذي سيتولّى صياغة السياسة النقديّة لبلدان مجلس التعاون الخليجي خبراً جيداً لتلك الوحدة المنتظرة منذ نحو ثلاثة عقود. فهذا الاختيار أدّى إلى «تحفّظ» إماراتي سرعان ما تحوّل إلى انسحاب أرادت منه أبو ظبي تأكيد موقفها من هذه المسألة: لها حقّ الاستضافة لأنّ نظامها المصرفي هو الأكثر انفتاحاً بالنسبة إلى بلدان الخليج الأخرى، ولأنّها أساساً لا تستضيف أيّة مؤسّسة تابعة لمجلس التعاون الخليجي.
ولانسحاب الإمارات من مشروع الوحدة النقديّة دلالاته، فالاقتصاد الإماراتي هو الثاني عربياً وخليجياً ويمثّل نحو 24 في المئة من اقتصاد مجلس التعاون (السعوديّة، الإمارات، البحرين، الكويت، عمان وقطر) و25 في المئة من اقتصاد منطقة الوحدة النقديّة الذي انسحبت منه سلطنة عمان في عام 2006.
ومعاً يمثّل الاقتصادان السعودي والإماراتي نحو 70 في المئة من اقتصاد مجلس التعاون، ما يعطي لمحة عن حجم التنافس الذي كان دائراً بين طرفين، قبل أن يقرّ اسم سعيد الحظ الذي سيستضيف المصرف الخليجي ويعلنه الأمين العام لمجلس التعاون، عبد الرحمن العطيّة، الشهر الماضي.
واتضح أخيراً أن انسحاب الإمارات من الوحدة لا عدول عنه، وخصوصاً أنّه بعدما وقّعت البلدان الخليجيّة الأربعة الباقية اتفاقيّة الوحدة في السابع من الشهر الجاري، أكّد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجيّة أنور محمّد غرغش، أنّ بلاده «اتخذت قراراً سيادياً قائماً على الصراع حول مركز (المصرف المركزي الخليجي)... ونتمنّى للآخرين النجاح». وذلك بعدما كان وزير خارجيّة البلاد، عبد الله بن زايد آل نهيان قد كشف أنّ أبو ظبي ستعيد النظر بالمشاركة في الوحدة النقديّة فقط إذا تغيّرت القواعد وأقرّ إنشاء مصرف مركزي ثانٍ على الأراضي الإماراتيّة.
إذاً، فبلدان الخليج النفطي من دون الإمارات وسلطنة عمان بطبيعة الحال، مضت باتفاقيتها النقديّة وتمنّت أبو ظبي التوفيق للجميع. ولكن الخيار الذي اتخذته هذه الأخيرة ستكون له تداعيات بين الرياض وأبو ظبي وحتّى على الصعيد الخليجي عموماً بحيث إنّه يمكن أن يخلق استقطابات متعدّدة.
والإشارة الأولى للتداعيات بين الطرفين المتنازعين ظهرت منذ فترة، مع كشف التقارير الإعلاميّة أنّ السلطات الجمركيّة السعوديّة رفعت من صعوبة الإجراءات التي تخضع لها الشاحنات الإماراتيّة عند الحدود مع جارها الخليجي. ولتلك الإجراءات «الطارئة» دلالات كثيرة، وخصوصاً أنّ الأراضي السعوديّة هي المنفذ الوحيد للبضائع الإماراتيّة إلى باقي بلدان مجلس التعاون الخليجي (هناك حدود فقط مع سلطنة عمان).
فقد أفادت صحيفة «Gulf News» بأنّ السلطات السعوديّة بدأت منذ شهر تطلب فحص البصمات لسائقي الشاحنات المحمّلة بالبضائع والتي تنوي قطع الحدود، والهدف هو الانقضاض على تجارة الكحول والمخدّرات عبر الحدود. ولكن اللافت هو أنّ تلك الإجراءات بدأت بشكل دقيق مع تاريخ الإعلان عن مقرّ المصرف المركزي الخليجي (اجتماع مجلس التعاون الخليجي في 5 أيّار الماضي).
واللافت هو أنّ الإجراءات السعوديّة تبدو بيروقراطيّة جداً إلى حدّ الإجهاد. وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة الإماراتيّة أنّ تدابير المرور تؤدّي إلى اصطفاف شاحنات على طول 24 كيلومتراً، بمعدّل انتهاء معاملات كلّ شاحنة خلال 16 ساعة! كما كشفت صحيفة «Khaleej Times» أنّ أكثر من 10 آلاف شاحنة كانت عالقة عند الحدود الأسبوع الماضي.
الصحيفة نفسها نقلت أنّ ممثّلين عن البلدين سيجتمعون في الرياض في 20 من الشهر الجاري من أجل التباحث في هذه المسألة، ما يعدّ خبراً جيداً وخصوصاً أنّ التبادل التجاري بين البلدين تضاعف 10 مرّات منذ بداية الألفيّة الثالثة ليصل إلى نحو 15 مليار دولار في عام 2008 بحسب الأرقام التي أوردتها «Khaleej Times».
ولكن حتّى لو تمّ اللقاء واتفق على أن تُسهّل عمليّات التدقيق عبر الحدود، يبقى أنّ روح التعاون التي يجب أن تحكم البلدان الخليجحيّة، على الصعيد الثنائي أو الجماعي، غير موجودة. وهو واقع سيّئ وخصوصاً في هذه المرحلة التي بدأت فيها بلدان العالم تركّز أكثر على الطاقة البديلة تخوّفاً من نضوب النفط الذي يشكل 87 في المئة و77 في المئة من العائدات العامّة في السعوديّة والإمارات على سبيل المثال.
والفروقات الخليجيّة التي تولّد روحاً انتقاميّة تظهر للمفارقة بعد تأكيد الجميع في بداية العام الجاري ضرورة التعاون (وهناك اتفاقيّة اتحاد جمركي!)، فيما كانت الأزمة الماليّة تفتك بالاستثمارات العربيّة ومحدثة خسارة بها وصلت إلى 2.5 تريليون دولار.


لماذا الآن؟

فيما نقلت صحيفة «Khaleej Times» عن المدير العام لسلطة الجمارك في الإمارات العربيّة المتّحدة، محمّد المهيري، تأكيده أنّ الأسباب التي قدّمت إلى أبو ظبي من الجانب السعودي في شأن الإجراءات الحدوديّة الجديدة تتعلّق بتهريب المخدّرات والكحول، أفادت «Gulf News» نقلاً عن مسؤولين أمنيّين سعوديّين قولهم إنّ الإجراءات تأتي في إطار رزمة أمنيّة لمواجهة الاتجار بالمخدّرات. ولكن إجراءات مواجهة خطر الكحول على بلد إسلامي يجب أن تكون عمليّة مستمرّة، فلماذا بدئ بها قبل شهر فقط؟ وكيف بالأحرى للمخدّرات؟