يمثّل نظام «اس 400» (سام-21)، فعلياً، التطوير الأكثر حداثة لنظام «اس 300» الشهير الذي أصبح عماد الدفاع الجوي السوفياتي منذ الثمانينيات. جرى تصميم الـ «اس 400» لمواجهة حزمةٍ جديدة من التهديدات والمهمات لم تكن موجودة في الماضي، ولكنها ستطبع ميادين القتال في المستقبل: تكنولوجيا الخفاء، الذخائر الذكية بعيدة المدى، الانتشار المتزايد للأسلحة البالستية...
لهذه الأسباب، أبقى مصممو شركة «الماز-انتاي» الروسية على العناصر الناجحة في نظام «اس 300» وهندسته العامة، وأضافوا اليها معدّات تضاعف من أدائه وتسمح بمواجهة التحديات المستقبلية. على سبيل المثال، إضافة الى رادار الكشف القوي وبعيد المدى (الذي يعمل بعيداً عن قاذفات الصواريخ ويمسح الأجواء باستمرار ويزود البطارية بالأهداف)، صارت أغلب البطاريات تدمج برادارٍ يعمل على موجة منخفضة (VHF) متخصّصٌ بكشف الطائرات الخفية، كالـ«اف 22» والـ«اف 35» الأميركيتين. وهذه الرادارات كلها الكترونية حديثة، وتقدر على تتبع مئات الأهداف، وتوجيه مئات الصواريخ (نظرياً) ضد عشرات الأهداف في آن واحد.
المصممون ضاعفوا قدرات النظام ايضاً عبر بناء صواريخ جديدة للـ«اس 400»، بعضها لم يدخل الخدمة بعد. أهمّ هذه الإضافات، بالطبع، هو صاروخ 40N6 الضخم، الذي يبلغ مداه أكثر من 400 كيلومتر، أي ضعف مدى صواريخ «اس 300»، وهو مجهّز برأس راداري «نشط»، أي انه قادر على البحث عن الهدف والتوجه اليه من دون الحاجة الى استخدام رادارات البطارية. هذا المدى - الذي يرفع من قدرات النظام في وجه الصواريخ البالستية بشكل كبير - يعني ايضاً أنّ طائرات الدعم الأميركية، كالـ«أواكس» وطائرات التزويد بالوقود، قد لا تتمكن من الاقتراب حتى من مسرح العمليات، اضافة الى انّه يفوق، بكثير، مدى الذخائر الموجهة التي تحملها طائرات العدو والمعدّة لإسكات الدفاعات الجوية (باستثناء الصواريخ الجوالة).
وان كان الروس يهتمّون، منذ السبعينيات بـ«تشبيك» الأنظمة وجعل عناصرها مرنة، حتى تتمكن من استخدام أي رادار - مثلاً - مع أي نظام، فإن الـ«اس-400» يأخذ هذه المزايا الى مستوى جديد: بإمكان أي رادار في المنظومة، وليس رادار الاشتباك فحسب، أن يوجّه الصواريخ ويتواصل معها ويعطيها احداثيات الهدف أثناء طيرانها، وبإمكان أي رادارٍ في الشبكة الوطنية أن يبثّ مباشرة الى غرفة القيادة في البطارية، حتى ترى ما يراه. تقول الشركة الصانعة إن غرفة القيادة تعتمد نظام open interface، ما يجعلها قادرة على التواصل مع عناصر البطارية عبر عدة وسائل (من «داتالينك» عبر الأقمار الصناعية الى اللاسلكي الى أشرطة الهاتف النحاسية)، وهي لا تحتاج لأن تكون قريبة من قاذفات الصواريخ وأن تعرض نفسها للخطر، بل يمكنها أن تدير العمليات من بعد 100 كيلومتر.
هذا المزيج يعني نظاماً للدفاع الجوي العالي الحركية، بعيد المدى، ولديه قدرة كبيرة للتعامل مع التشويش والحرب الالكترونية وتقنيات الخفاء. هذا ما يجعل «اس 400»، خاصة اذا ما اقترن بأنظمة أخرى قصيرة المدى تحميه وتغطيه، مصدر قلقٍ حقيقي لأي سلاح جوٍّ غربيّ، طالما أنه لا توجد الى اليوم وسائل (مُعلنة ومضمونة) لمواجهته وتحييد خطره.
(الأخبار)