بعد نحو عام على إعلان دمشق والرياض استئناف العلاقات الدبلوماسية التي انقطعت لأكثر من عقد بينهما، على خلفية الحرب التي اندلعت في سوريا وما رافقها من انقلاب في مواقف دول عديدة، أعلنت السعودية أخيراً تعيين سفير لها في سوريا، ما يعني تثبيتاً لخطوات الانفتاح التي بدأتها العواصم العربية بشكل عام، والرياض على وجه الخصوص، بقيادتها مبادرة عربية للحل في هذا البلد. والسفير الجديد للمملكة، فيصل بن سعود المجفل، والذي يُعتبر أول سفير سعودي في سوريا منذ عام 2012، عندما غادر السفير السعودي حينها، عبدالله بن عبد العزيز العيفان، دمشق، يأتي من خلفية سياسية وعسكرية في آن واحد، نظراً إلى أنه درس في كلية العلوم السياسية ونال درجة البكالوريوس، وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة الملك سعود، إلى جانب كونه ضابطاً في القوات المسلحة السعودية، حيث تمّت ترقيته إلى رتبة لواء في عام 2019، قبل أن ينخرط في السلك الدبلوماسي ويشغل منصب سفير بلاده في الكاميرون.ويأتي تعيين السفير الجديد بالتزامن مع بدء موسم الحج الذي عاد ملفه إلى الحكومة السورية بعد نحو عقد على تسليمه من قبل السعودية للمعارضة السورية. كما يأتي بعد أيام قليلة من لقاء جمع الرئيس السوري بشار الأسد، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على هامش اجتماع الدورة الثالثة والثلاثين لمجلس «جامعة الدول العربية» على مستوى القمة، والذي استضافته البحرين في الـ16 من الشهر الحالي. وهو يجيء أيضاً بعد نحو خمسة أشهر على تعيين دمشق سفيراً لها في الرياض، تمّ اختياره هو الآخر بعناية، علماً أن الأخير هو نائب وزير الخارجية سابقاً، أيمن سوسان، الذي يبدأ عملاً متواصلاً لإعادة تشبيك العلاقات وإعادتها إلى شكلها الطبيعي بين البلدين.
يبدو أن ثمّة إصراراً سعودياً على المضي قدماً في العلاقات مع سوريا برغم محاولات واشنطن عرقلة أي حل «من دون ثمن سياسي»


وإذ تقود الرياض، إلى جانب أبو ظبي، حركة الانفتاح العربية على دمشق، وهي تمكّنت من التوصل عبر اجتماع ضم الأردن والعراق ولبنان ومصر إلى صياغة مبادرة مقبولة من جميع الأطراف تهدف إلى حلحلة الأزمة السورية بشكل تدريجي، يُنظر إلى التقارب السوري - السعودي على أنه أحد أبرز عناصر فرض التهدئة والتوازن في المنطقة، بما فيها لبنان، ما دفع برئيس «الحزب الديموقراطي» اللبناني، طلال أرسلان، إلى الترحيب الشديد بهذه الخطوة. وقال الأخير، عبر تغريدة له على منصة «X»: «من يعرف التركيبة اللبنانية وتاريخ المنطقة ككل يعرف أنّه لا خلاص لنا من دون علاقات وطيدة للدول العربية مع سوريا وعودة الوضع فيها إلى ما كان عليه قبل الـ2011»، في إشارة إلى معادلة «السين – سين» الشهيرة في المنطقة، والتي ساهمت في إنهاء التوترات السياسية في لبنان.
وبالإضافة إلى الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الرياض بالتعاون مع دمشق في سياق حلحلة الأزمة السورية، وإعادة التوازنات السياسية إلى المنطقة، يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها إشارة إلى إصرار سعودي على المضي قدماً في هذه التوافقات، برغم المعارضة الأميركية المستمرة ومحاولات واشنطن عرقلة أي حل «من دون ثمن سياسي»، خصوصاً أن تلك التطورات ترافقت مع بدء لبنان تسيير قوافل النازحين السوريين الراغبين في العودة، والعجز الأممي عن توفير احتياجاتهم في ظل نقص التمويل المستمر. ويعيد ذلك إلى الأذهان الخطة التي أعدّتها «الأمم المتحدة» لتجاوز أزمة التمويل، عبر تأسيس صندوق خاص بـ«مشاريع التعافي المبكر في سوريا»، تعوّل فيه على الدعم الخليجي، وخصوصاً الرياض وأبو ظبي، وتأمل الدول المستضيفة للاجئين، خصوصاً لبنان والأردن، أن يساهم في إنهاء أزمتهم، وتخفيف الضغوط الكبيرة التي تسببت بها هذه الأزمة على الدولتين.