الحسكة | يجهد المزارع أبو لؤي، للاتفاق مع صاحب حصّادة، للبدء بحصد محصوله من القمح والشعير، في قريته في ريف مدينة عامودا الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، حيث تسود توقعات بموسم إنتاج وافر لهذا العام، مع توافر الظروف المناخية المناسبة لذلك. يقول أبو لؤي إن «الموسم جيد جداً، والأمطار كانت في وقتها، والإنتاج سيكون وافراً في مختلف المناطق»، لافتاً، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «ما كان ينقص الموسم هو توافر مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذار وأسمدة جيدة ومحروقات، ليكون موسماً استثنائياً يذكرنا بمواسم الثمانينيات الشهيرة». ويرى الرجل في «الظروف الاقتصادية الصعبة، وانقسام مناطق السيطرة، عوامل تنعكس على الإنتاج الزراعي سلباً، بسبب غياب الدعم الذي كانت تؤمنه الحكومة في السابق للفلاحين»، مشيراً إلى أن «الدعم الذي كان يقدم قبل الحرب، لو تَوفر اليوم، لشهدنا موسماً مميزاً من إنتاج القمح والشعير». والواقع أن البلاد شهدت، منذ بدء الحرب فيها قبل 13 عاماً، تراجعاً ملحوظاً في المساحات المروية، نتيجة نقص في الكهرباء وحوامل الطاقة، وتعدّد في مواسم الجفاف، وهو ما تغير العام الجاري، إذ تؤشر أرقام المحاصيل الزراعية الإستراتيجية، إلى موسم زراعي استثنائي قياساً إلى الهطولات المطرية الغزيرة والمنتظمة. مع ذلك، لا يكفي ما تقدّم لتحقيق الحكومة السورية اكتفاءً ذاتياً من هذه المحاصيل، بفعل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، واستمرار خروج مساحات خصبة عن سيطرتها، وهو ما يمنعها من إدارة ملف القمح بشكل كامل. وتؤشر تقديرات الإنتاج في مناطق السيطرة الثلاث في كامل الجغرافيا السوريّة، أي تلك التي تديرها الحكومة، أو الواقعة تحت سيطرة كل من «قسد» وفصائل «الجيش الوطني» و«هيئة تحرير الشام» في شمال البلاد وشرقها، إلى إنتاج أكثر من 3.5 ملايين طن، وهو ما كانت تنتجه سوريا قبل بدء الحرب. ووفقاً للأرقام التأشيرية الصادرة عن المناطق المشار إليها، فإن إجمالي الإنتاج سيكون بواقع نحو مليون ونصف مليون إلى مليوني طن في الأولى، وأكثر من مليون ونصف مليون في الثانية، ونحو 220 ألفاً في الثالثة. أيضاً، تظهر التقديرات الأولية، زيادة ملحوظة في إنتاج المناطق الثلاث، مع لجوء الحكومة السورية إلى زيادة دعم مشاريع الري وخاصة في أرياف حلب ودير الزور، وتخفيض فاتورة الاستيراد في ظل أزمة الحبوب العالمية، والتوقعات بارتفاع أسعارها عالمياً، مع استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية.
تصطدم الجهود الحكومية في الحصول على إنتاج الحسكة، بمنع «قسد» عبور الشاحنات في اتجاه المراكز المخصّصة لتسلّمه


وفيما ترتفع حالة التنافسية بين كل من الحكومة و«الإدارة الذاتية»، للحصول على إنتاج الفلاحين، وتعزيز مخزون كل منهما من المادة، من المتوقع أن تصطدم الجهود الحكومية للحصول على إنتاج فلاحي الحسكة - التي تعد عاصمة القمح السوري، ويقدر إنتاجها هذا العام بأكثر من مليون طن من القمح و400 ألف من الشعير -، بمنع «قسد» عبور الشاحنات في اتجاه المراكز الحكومية المخصّصة لتسلّم الأقماح والمحددة في ريف القامشلي، على غرار ما حصل في الأعوام الثلاثة الأخيرة. أيضاً، من المتوقع أن تلجأ «الذاتية» إلى رفع سعر الشراء إلى نحو 7 آلاف ليرة سورية، وهو ما يزيد بـ1500 ليرة سورية عن السعر الحكومي، لتشجيع الفلاحين على تسليمها محاصيلهم.
وعلى هذه الخلفية، ظلّت التقديرات الحكومية للموسم متواضعة؛ إذ يفيد «مدير السورية للحبوب»، سامي هليل، بأن «التقديرات الأولية لتسلّم القمح ستصل إلى 700 ألف طن في 44 مخصصاً في مختلف المحافظات السورية»، فيما يلفت رئيس «مكتب الشؤون الزراعية» في «اتحاد فلاحي سوريا»، محمد الخليف، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «تقديرات الإنتاج في مناطق سيطرة الحكومة ستصل إلى نحو مليون طن على الأقل، من إجمالي إنتاج الفلاحين المقدر بنحو مليون ونصف مليون إلى مليوني طن، مع لجوء هؤلاء إلى الاحتفاظ بكميات كبذار للموسم القادم»، مضيفاً أن «التقديرات الأولية تبشر بالخير، في ظل توقعات بموسم تسويق أفضل من الموسم الفائت».
ويشير الخليف إلى أن «تقديرات الإنتاج الحالية لا تسد حاجة البلاد، المقدرة بنحو مليونين ونصف مليون إلى ثلاثة ملايين، وهو ما سيتم توفيره عبر عقود استيراد لمؤسسة السورية للحبوب»، مضيفاً أن «استمرار خروج مساحات زراعية خصبة عن سيطرة الدولة، وعدم إمكانية توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي بسبب الحصار والعقوبات، منعا البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي هذا العام، رغم الموسم الزراعي الوافر». وإذ يرى أن «سوريا قادرة على العودة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية ومختلف الزراعات الأخرى، بمجرّد عودة كامل الجغرافيا إلى سيطرة الدولة السورية، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها»، فهو يؤكد أن «عودة الحياة إلى مشاريع إستراتيجية كمشروع جرّ مياه نهر دجلة إلى الحسكة، ستنعش الواقع الزراعي، وتُعيد سوريا إلى مصاف الدول المصدّرة للمحاصيل الزراعية».