مرة أخرى، فشل هجوم مزدوج نفّذه «جهاديون» يتبعون لـ«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا) في تحقيق أي خرق على خطوط التماس في منطقة «خفض التصعيد» في الشمال الغربي من البلاد، ليضيف فشلاً جديداً إلى محاولات الجماعة التي يتزعّمها أبو محمد الجولاني، التخفيف من وطأة الأزمة الداخلية التي يعيشها و«جماعته» على خلفية محاولاته التخلص من «رفاق دربه» الذين تحولوا إلى خصوم. وكان بدأ الهجوم المزدوج الذي نفّذه مسلحون ينتمون إلى «لواء عمرو بن العاص» التابع لـ«الهيئة»، بالتزامن مع اقتراب موعد أذان المغرب، في مسعى لتحقيق اختراق على محوري البريج ومعرة موخص في ريف إدلب الجنوبي، قبل أن يُفاجأ المهاجمون باستعدادات قوات الجيش السوري التي تمكنت من إفشال الهجوم والقضاء على منفذيه، والقبض على أحدهم، وفق ما أكدت وزارة الدفاع السورية في بيان. وفي محاولة لتدارك الهزيمة، قامت «هيئة تحرير الشام» بإطلاق قذائف صاروخية بالتزامن مع إرسال قوات دعم من «الحزب الإسلامي التركستاني» لسحب الجثث، لتقع هذه المجموعة أيضاً في كمين محكم أعدّته قوات الجيش السوري، الأمر الذي زاد من أعداد قتلى المسلحين، وفقاً لمصادر ميدانية تحدثت إلى «الأخبار». وبالتزامن مع تصديها للهجمات، نفّذت قوات الجيش السوري سلسلة استهدافات بسلاح المدفعية ضربت خطوط إمداد المسلحين وبعض قواعد تمركزهم، الأمر الذي مثّل إعلاناً نهائياً عن فشل الهجوم، وفتح الباب أمام أزمة داخلية في صفوف «الهيئة»، وسط اتهامات لـ«الجولاني» بإرسال مسلحيه نحو حتفهم بهدف حرف الأنظار عن أزمته الداخلية. وضجّت حسابات «جهادية» على تطبيق «تلغرام»، بأسماء قتلى الهجوم، والتي ترافقت مع انتقادات حادة لرجل «القاعدة» السابق، الأمر الذي حاولت «الهيئة» الالتفاف عليه عبر بث لقطات لاستعدادات المجموعة التي نفذت الهجوم، قبل تنفيذه، بالإضافة إلى نشر شائعات حول نجاح المجموعة في تحقيق هدف العملية، ما تسبب بزيادة الاحتقان، وخصوصاً بعد انتشار صور لجثث المسلحين في موقع الاشتباك، وأثار تساؤلات عن سبب استمرار هؤلاء في تنفيذ الأوامر وشن هذه الهجمات برغم فشلها وفاتورتها الباهظة. وفي الواقع، كانت تصاعدت عمليات «هيئة تحرير الشام» بشكل واضح بعد ظهور انقسامات في البيت الداخلي لـ«الهيئة»، على خلفية محاولة «الجولاني» إقصاء عدد من مساعديه الذين باتوا يشكلون تهديداً على منصبه، ووجّه اتهامات لهم بالعمالة لصالح استخبارات غربية، وزجّ بهم في السجن وتمّ تعذيبهم. وفي وقت تمكن فيه بعض هؤلاء من الهرب، اندلعت موجة سخط كبيرة في إدلب، شكّلت أرضية لظهور تحالفات جديدة دفعت «الجولاني» إلى إطلاق سراح معظم من قام بالقبض عليهم، والتعهد بـ«إصلاحات»، وهو ما لم يثمر تهدئة الشارع الذي ازدادت وتيرة غضبه بعد الكشف عن عمليات تعذيب وإعدام، كما لم يثمر رأب الصدع الذي اتسع في بيت «الهيئة» الداخلي.
ربطت مصادر «جهادية» ظهور «المحيسني» بالأزمة التي تعيشها «الهيئة»، لافتة إلى علاقته المتينة بالفصائل الأجنبية الموجودة في إدلب


وفي وقت تعيش فيه «إمارة إدلب» هذه الأزمة، ظهر في إدلب، بشكل مفاجئ، «الجهادي» السعودي عبدالله المحيسني، وهو إحدى أبرز الشخصيات «الجهادية» التي لعبت دوراً في تجنيد مقاتلين وتجهيز انتحاريين نفّذوا مئات الهجمات التي تركت وراءها آلاف الضحايا، قبل أن يتراجع دوره ويغادر إدلب نحو تركيا، بحسب تسجيلات مصوّرة تناقلتها حسابات «جهادية» العام الماضي. وفيما ربطت مصادر «جهادية» ظهور «المحيسني» بالأزمة التي تعيشها «الهيئة»، لفتت المصادر إلى أن الاستعانة به مرة أخرى، وتصديره للرأي العام عبر حفل في جمعية خيرية تُعنى بتحفيظ القرآن، يذكّران بالمشروع الذي كان يشرف عليه سابقاً في معسكرات تجنيد الأطفال، والتي انتشرت بكثافة في مناطق إدلب الريفية، وتمكن من خلالها من اجتذاب مئات الأطفال وتدريبهم. كما أشارت المصادر إلى علاقة «المحيسني» المتينة بالفصائل الأجنبية الموجودة في إدلب، والتي كانت عبّرت في بيان أصدرته قبل نحو أسبوعين عن دعمها لـ«الجولاني»، وهو أمر بات، بعد استمرار فشل الهجمات التي تنفذها هذه الفصائل على مواقع الجيش السوري والخسائر الكبيرة في صفوفها، موضع شك أيضاً.