ولّد ما تسرب من مسوّدة «قانون الإعلام السوري» الجديد، موجة غضب عارمة في أوساط الإعلاميات والإعلاميين السوريين الذين كانوا ينتظرون «تغييراً» يتساوق مع مطالبهم، لكنهم فوجئوا بما اعتبروه «عودة إلى الخلف»، ما جعلهم يطلقون نداء استغاثة تحت عنوان «أنقذوا إعلامنا». فقد خلت مسوّدة وزارة الإعلام، التي بدأ العمل عليها في الظل منذ 3 سنوات تقريباً، ويناقشها «مجلس الشعب» حالياً، من أي شفافية وتشاركية في صياغتها، على الرغم من أن الشفافية والتشاركية كانتا المصطلحين الأكثر تداولاً في الخطابات والتوجيهات الحكومية السورية خلال العقدين الأخيرين. وفيما لا تحظى المسودة برضى «اتحاد الصحفيين» في سوريا، تقول مصادر الأخير، في حديث إلى «الأخبار»، التي حصلت على نسخة من المسوّدة، إنها سجّلت اعتراضها على العديد من موادها «التي لا تشبه التعديلات المطلوبة». كذلك، يقول إعلاميون شاركوا في النقاشات إن «آراءهم لم تؤخذ بعين الاعتبار»، حتى إن «بعضهم تبرّأوا منها علناً»، بينما يطالب آخرون بأن «تعرض المسوّدة بشفافية على موقع تشاركي، لإتاحة الاطلاع والتعليق عليها»، مشيرين إلى أن «قانوناً يتعلق بهم لا يجوز أن يُصاغ من دون مشاركتهم». ولعلّ أبرز الاعتراضات، والتي وصل بعضها إلى حدّ اعتبار «قانون الإعلام الحالي أفضل من المسوّدة المطروحة»، تتمثّل في كون الأخيرة خالية من أيّ «بنود تضمن حصانة الإعلاميين وحمايتهم وسلامتهم، وعدم الإفلات من العقاب في حال أذيّتهم»، كما تفتقر إلى «بنود حماية المصادر»، في حين أن مهنة الصحافة تتطلب الاستقصاء عن الفاسدين والمتنفّذين والمسؤولين وملفاتهم ومتابعتها، وبالتالي فإن ممارسيها بحاجة إلى الحماية وضمان عدم معاملتهم وفق أي قانون آخر غير قانون مهنتهم، من مثل «قانون جرائم المعلوماتية» الذي لطالما كان سيفاً مصلتاً على أقلامهم. وفيما يُحسب للمسوّدة أنها لم تتضمّن جملة «يعاقب الإعلامي» كثيراً، على غرار تضمينها في القانون السابق، إلا أنها وضعت محظورات وغرامات وعقوبات، من دون إيضاح ماهية عقوبة من يعطّلون عمل الصحافيين، ومن يمنعون عنه المعلومة. وهذا ما يطالب الزملاء بأن يكون منصوصاً عليه بشكل واضح لمعرفة حقوقهم، على نسق التعريف بواجباتهم التي ذكرت في المسوّدة، والتي لا تعطي «أهمية كبيرة لحرية الرأي والتعبير والنقد ولا تصونها بشكل مُقدس كجزء من العمل الصحافي»، بل اقتصرت على جمل فضفاضة، من مثل ممارسة «الحرية بوعي ومسؤولية».
يُحسب للمسوّدة أنها تلحظ باهتمام بالغ الإعلام البديل، بمنحه الغطاء المهني


أيضاً، لا تحفظ المسوّدة حق الحصول على المعلومة لعموم المواطنين، إذ تلزم الجهات العامة في المادة 13، بالرد على طلبات الإعلاميين الحصول على المعلومات، شريطة تقديم الأخيرين وثائق تثبت هوياتهم، والمهمات المزوّدين بها من وسائل الإعلام المرخّصة حصراً، وهو ما أثار اعتراض الصحافيين الذين يرون أن حق الوصول إلى المعلومة «يجب أن يكون متاحاً لجميع المواطنين، من دون الحاجة إلى إبراز أي وثيقة سوى الهوية الوطنية التي تثبت أن طالب المعلومة مواطن سوري». وفي التعريف، تشترط المسوّدة أن يكون الإعلامي مسجلاً لدى «اتحاد الصحفيين» أو معتمداً لدى وزارة الإعلام. أما في الواقع، وفقاً للنص، فإن اعتماد الإعلاميين في الوزارة يتطلب أن يعملوا لدى مؤسسات إعلامية، فيما يضع «الاتحاد» شروطاً «صعبة» للانتساب إليه. وبالتالي، ما جاء في المسوّدة يقطع الطريق أمام الصحافيين المستقلين (فري لانسرز)، ومن بينهم من يعملون في مجال الصحافة الاستقصائية.
ويُحسب للمسوّدة أنها تلحظ باهتمام بالغ الإعلام البديل، كصفحات مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات، إذ تعطيها الغطاء المهني وتُشرعن عملها، علماً أن بعض الزملاء يعترضون على المساواة بين الصحافي و«الناشط»، ويطالبون بتمييز الأول إيجابياً. لكن في المقابل، تصرّ وزارة الإعلام في المسوّدة على دورها الإشرافي وطريقتها التقليدية في اعتماد التراخيص للسماح بعمل وسائل الإعلام، وتلزم الأخيرة بشروط محددة للحصول على الموافقة، بينما لا تذكر طريقة الاعتراض على قرار الوزارة في حال رفض منح الموافقة. ويحدّد الوزير، وفقاً للمادة 29، مدة الترخيص والاعتماد لوسائل الإعلام، ما يخوّل الوزارة منح الأخيرة ترخيصاً أشبه بـ«المؤقت»، الأمر الذي يؤرّق بيئة العمل الإعلامي بجعل مؤسساته غير مستقرة وقلقة إزاء قبول تجديد الترخيص من عدمه. وكان المنحازون إلى نظريات التطوير والتحديث قد طالبوا باعتماد مبدأ «علم وخبر»، بدلاً من تقديم طلب الترخيص، بما «يمنح الوسائل حرية في العمل ويشجع على الانطلاق والتأسيس».
وإلى جانب ذلك، تفرض مسودة القانون رسوماً على الترخيص وتجديده، وعلى الإعلانات التي تتدخل في حجمها ومساحتها وتحدد نسبة مجانية منها، الأمر الذي قد يعطل إطلاق وسائل إعلام جديدة في البلاد بداعي «عدم الجدوى الاقتصادية»، فيما يشجع وسائل الإعلام التي يملكها متنفّذون مالياً على ترويج «البروباغاندا» الخاصة بهم على حساب الإعلام «المستقل». وهنا، يطالب بعض الزملاء المعترضين على فرض الرسوم، في حديثهم إلى «الأخبار»، بأن «تعفى الوسائل من رسوم الترخيص كنوع من التشجيع والدعم لها، في ظل أزمة مالية كبيرة يعانيها الإعلام الخاص في سوريا، وسط انعدام المصادر المالية وتراجع اهتمام المعلنين، فضلاً عن الحصار الاقتصادي المتمثل في العقوبات التي تمنع وسائل الإعلام داخل سوريا من الاستفادة من إعلانات "غوغل" و"فيسبوك" ومجمل مصادر الإيرادات الحديثة».
وإلى حين إقرار مسوّدة القانون قبل نهاية ولاية «مجلس الشعب» الحالي في حزيران القادم، سيكون الإعلاميون السوريون المعترضون على القانون أمام اختبار جدّي، لناحية قدرتهم على تحقيق مطالبهم الأساسية، وتضمينها في قانون جديد وعصري يتناسب مع الواقع السوري والتهديدات التي يتعرّضون لها، في ظلّ التغييرات التي طرأت على المهنة وأساليبها.