اللاذقية | ثلاثُ ثوانٍ من الزلزال غيّرت وجه حياة سكّان جبلة. ثلاثُ ثوانٍ بدت أشدّ ضراوة من كلّ سني الحرب التي عاشها السوريون، بحسب شهادات الناجين الذين التقتْهم «الأخبار» في المدينة المنكوبة. لم تنسَ السيّدة الأربعينية، ندى الحلبي، تلك اللحظات التي لا تزال تحت تأثير صدمتها. كلّما حاولت الحديث تَنهمر الدموع من عينيها، وتهمس شفتاها بكلمة «آخ» طويلة، تخالها منبعثة من كلّ مكان من جسدها. ثمّ تقول: «ما حسيت غير بزمجرة الأرض، وكأنها ساعة القيامة»، مضيفةً: «مَن عاش الحادثة ليس كَمَن يسمع عنها». تقف الحلبي أمام بناء مهدّم مجاور لمنزلها في شارع الغزاليا، حيث لا تزال فِرق الإنقاذ تبحث عن ناجين تحت الأنقاض. تشير بسبّابتها إليه بعد شهقة طويلة: «في هذا البناء كلّ أقاربي وجيراني، عمّتي وابنها، ابن خالي، وصديقتي وغيرهم، كلّهم ماتوا، لم يَخرج من البناء سوى طفل بعمر 10 سنوات، وفتاتَين نجتا بأعجوبة». لم يتسنَّ لندى إحكام باب منزلها لحظة خروجها وعائلتها منه. لململوا أنفسهم بسرعة وفرّوا إلى الخارج. تُتابع حديثها: «خرجنا بسرعة، تركنا كلّ شيء خلفنا، حتى باب البيت تركناه مفتوحاً، المهمّ أن نحمي أولادنا، نزلنا إلى الشارع، كان المطر غزيراً جداً والبرد يفتك بأجسادنا، لم أشعر طوال حياتي بمثل ذلك البرد القارس، بقينا في الشارع حتى الصباح، ثمّ ذهبتُ وعائلتي إلى منزل أهلي في منطقة أخرى»، مضيفةً: «أصوات الصراخ والبكاء والدعاء في تلك الليلة تتردّد في أذني باستمرار».
لم يستغرق الأمر سوى ثلاثِ ثوانٍ لتحويل بناء ضخم مؤلَّف من طوابق خمسة إلى زوابع من الركام والغبار

لم يستغرق الأمر سوى ثلاثِ ثوانٍ لتحويل بناء ضخم مؤلَّف من طوابق خمسة إلى زوابع من الركام والغبار، فيما تطلّب البحث عن الضحايا والناجين المحتمَلين تحت أنقاضه، ثلاثة أيّام من العمل، قبل أن تَقطع فِرق الإنقاذ والدفاع المدني الأمل في العثور على أحياء يوم الخميس. يتوجّه رئيس فريق الإنقاذ إلى العاملين والمتواجدين في المكان قائلاً: «إذا سمحتوا صمت، ربّما نسمع صوت أنين»، لكن لا صوت ولا صدى، لتعيد الجرّافة تشغيل محرّكاتها وتبدأ برفع الأنقاض. تقول الحلبي: «يزيلون بيوتاً كانت مليئة بالذكريات مع أقاربنا وأصدقائنا، ستبقى ذكراهم خالدة في قلوبنا»، فيما يشير وليد سمعان، وهو مسؤول الوفد اللبناني للبحث والإنقاذ، إلى «(أنّنا) وصلنا إلى سوريا يوم الثلاثاء ضمن فريق مؤلَّف من 70 شخصاً بين فوج إطفاء وفريق هندسة وفريق إنقاذ، باشرنا عملنا في ساعات الصباح، استغرق هذا البناء ثلاثة أيام من العمل». ويصف سمعان، في حديث إلى «الأخبار»، العمليات الجارية بـ«الدقيقة والصعبة جدّاً، كون معظمها نُفّذ يدوياً خشية وجود مصابين تحت الركام»، لافتاً إلى أن «هناك أبنية تحتاج إلى يوم من عمليات البحث وإزالة الأنقاض، وأخرى تحتاج إلى أيّام أكثر، نتعامل بشكل دقيق بالتعاون مع الفرق السورية. يستذكر وليد عمليات الإنقاذ عقب تفجير مرفأ بيروت، معلّقاً «المأساة ذاتها في كِلا البلدَين».