حلب | لا تزال السيدة الأرمنية ذات الخمسين عاماً، جورجيت قلاجة، تعيش مشاعر الهلع عند تذكُّر لحظات الزلزال. للوهلة الأولى، اعتقدتْ أن الأرض ستبتلع المباني والبشر معاً، لكنّ الضرر لديها اقتصر على تصدُّع جدران المبنى الذي تقطنه في منطقة العزيزية الواقعة وسط مدينة حلب، ما دفعها وعائلتها إلى النزول إلى الشارع، بعد سماع أصوات تنادي بالخروج من المنازل. عنذاك، رأت الناس يركضون حُفاة أو عُراةً ممّا يقي أبدانهم البرد الشديد، وسط ذهول من هوْل المشهد، الذي زاده سوءاً تساقُط الأمطار الغزيرة. تقول قلاجة، التي عاشت حرب لبنان (كوْنها لبنانية الأصل) والحرب القاسية في حلب، في حديثها إلى «الأخبار»: «الزلزال أصعب من هاتَين الحربَين، فعلى الأقلّ كان بالإمكان إيجاد مكان للاختباء من القذائف»، مضيفةً أنها وأولادها لن ينسوا هذا اليوم القاسي، وأنهم لا يزالون تحت وقْع الصدمة، التي اضطرّتهم إلى المبيت ليومَين في السيارة. وتروي قلاجة لحظة انهيار مبنى بأكمله في منطقة العزيزية حيث سُجّل سقوط عدد من الضحايا، منهم الأب عماد الضاهر من جنوب لبنان، والذي سبق تعرُّضه لعدّة حوادث خلال الحرب، إذ فقدَ عيْنه عند نزول قذيفة في مقرّ المطرانية، ليأتي الزلزال ويخطف حياته، إضافة إلى كاهن آخر، وامرأة مسنّة، وأمّ وابنها الشاب. وتَلفت السيّدة، أيضاً، إلى تساقُط عدد كبير من المباني في أحياء وسط المدينة، كحيَّي السريان وبارون، على رغم أن المساكن هناك أمتنُ في أساساتها ممّا هي في أماكن أخرى.
الخطر لا يزال قائماً
لم يميّز الزلزال بين المناطق «الراقية» وسط حلب وتلك العشوائية. هنا، الجميع متساوون في المصاب، فيما تغيب الفروقات السياسية والطائفية والطبَقية، وإنْ كان الفقراء، وتحديداً في مواقع السكن المخالف، الأكثر تضرّراً لعدم امتلاكهم مساكن بديلة تَقيهم الحاجة إلى مراكز الإيواء. وتشكّل الأبنية المتصدّعة خطراً فعلياً على سلامة الأهالي، الذين لا يزالون يفضّلون افتراش الطرقات والحدائق بدل الرجوع إلى بيوتهم المتخلخلة. يقول الأربعيني محمد الحسين، من سكّان منطقة الجميلية التجارية، التي لحقت بمنازلها العائدةِ ملكيّةُ أغلبها إلى اليهود أضرارٌ وصلت إلى تساقُط بعض أجزائها، «لو بقيت الهزّة الأرضية دقيقة واحدة، لانهار البيت بشكل كامل، على رغم أن أساساته متينة وأنه مدعَّم بشكل جيّد، لكن قوّة الزلزال كانت كفيلة بإسقاطه على الأرض لو لم يلطف الله بنا». ويضيف الحسين، في حديثه إلى «الأخبار»: «بسبب تصدُّع البيت، فضّلتُ إبقاء عائلتي في السيارة منذ يوم الزلزال وحتى اليوم، إلى حين كشْف لجنة السلامة على البناء المؤلَّف من 3 طوابق، والتأكّد من سلامته وصلاحيته للسكن، فذلك أأمن وأسلم، خاصة بعد تساقط عدد من الأبنية بلمح البصر مع أن الهزّات الارتدادية انتهت».
معضلة الأبنية المتصدّعة ليست وحدها ما يؤرّق أهل حلب، بل إلى جانبها أيضاً نقْصٌ في الاحتياجات الأساسية


ولا ينفي قائد فوج إطفاء حلب، العميد محسن الكناني، احتمال انهيار الأبنية المتصدّعة قائلاً: «هذا عِلمه عند الله»، مستدركاً بالتأكيد أن «لجان السلامة العامة تقوم بجرد وفحص الأبنية المتصدّعة، على رغم حجم العمل الكبير». ويلفت الكناني، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «غالبية الأبنية المنهارة في حلب تمّ التعامل معها بعد انتشال الضحايا من تحت الأنقاض، ولم تتبقّ سوى 3 أبنية فقط، لكنّ ثمّة وضعاً حرجاً في أماكن أخرى كحيّ الصالحين بسبب صعوبة الوصول إلى البناء المنهار»، مضيفاً أن «الساعات القادمة ستسجِّل الانتهاء من التعامل مع الأبنية المنهارة، وهذا العمل الضخم أُنجز في ظلّ التعاون مع فِرق الإنقاذ في الدفاع المدني وغيره من الجهات، إضافة إلى فِرق الإنقاذ العربية المشاركة في عملية الإغاثة».

نقص المساعدات
على أن معضلة الأبنية المتصدّعة ليست وحدها ما يؤرّق أهل حلب، بل إلى جانبها أيضاً نقْصٌ في الاحتياجات الأساسية، وخاصة مع بدء الحديث عن سرقة المواد الإغاثية على حساب المتضرّرين والمنكوبين. لكنّ مصدراً في محافظة حلب ينفي، في حديث إلى «الأخبار»، صحّة الأنباء المتداولة حول المتاجرة بتلك المواد، مدرِجاً ذلك، في حال وقوعه، «في إطار حالات فردية يمكن الإبلاغ عنها وتحييدها ومحاسبة المسؤولين عنها، أمّا التعميم فيسيء إلى العمل الإنساني الجبّار الذي تقوم به الجهات الرسمية والخاصة والمنظّمات الأهلية والدولية، ويتيح استغلاله خارجياً لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا»، مشيداً بالمبادرات الاجتماعية التي أطلقها المجتمع الأهلي، والتي «تدلّ على تكاتف السوريين وقدرتهم على مواجهة الأزمات، ولولا ذلك لكان الوضع أسوأ بكثير ممّا هو عليه». وعلى رغم هذا التكاتف الكبير، إلّا أن حجم الكارثة المهول يتطلّب عمليات إغاثة أكبر، وهو ما يُتوقَّع أن يبدأ في أعقاب قرار الولايات المتحدة تجميد العقوبات جزئياً على سوريا. وفي هذا الإطار، يشير الستّيني حميد حمدان، وهو من سكّان حيّ الفردوس الشعبي الذين وجدوا أنفسهم في مركز للإيواء يقدّم لهم احتياجاتهم الضرورية من طعام ومستلزمات تدفئة ضمن الإمكانات المتاحة، إلى أن «حجم كارثة حلب كبير، ويحتاج إلى كمّيات ضخمة من المساعدات لمواجهته»، مضيفاً أن «أهالي المدينة، على رغم مأساتهم، يمدّون أيدي العون إلى بعضهم، كلّ بحسب استطاعته».