سوريا: آذار رابع... ولا ربيع | من المسلّم به أن أعداداً كبيرة من المنخرطين في التظاهرات ضد النظام في سوريا، خلال الشهور الأولى من عمر الأزمة خصوصاً، خرجوا من تلقاء أنفسهم، مدفوعين بعوامل موضوعية كثيرة، لكن، بعيداً من نظرية المؤامرة، هل سار الحراك وفقَ تطوّر عفوي، أم بمنهجيّة مدروسة وموجهة؟
«لا شيء تحرّكه الصدفة»، يقول مازن، وهو أحد الناشطين الذين كانت لهم مساهمات فعالة في بدايات التظاهر قبل أن يقرر «الاعتزال»، وينتقل للعيش خارج سوريا. ويضيف: «تخرّجت من كليّة الحقوق في جامعة دمشق عام 2008. وبقيت مثل كثيرين بلا عمل. كان كلّ شيء في سوريا يخلق شعوراً بالقهر: الفساد والقمع والوضع الاقتصادي». مع بدايات موجة «الربيع العربي» أظهر مازن حماسة كبيرة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. «في تلك الفترة، بدأت علاقتي بسالم. وعبر فايسبوك كنا ننخرط في نقاشات طويلة حول الوضع في سوريا. رأى سالم فيّ ملامح سوريا الجديدة. ثمّ زوّدني كتيباً مهما، وطلب مني قراءته بتركيز شديد».
تحوّل الكُتيب لاحقاً إلى محور نقاشاتهما الدائمة. ثنائيّاً أوّل الأمر، ثمّ عبر مجموعة مغلقة على فايسبوك ضمّتهما وآخرين. «بدءاً من أواخر كانون الثاني 2011 كنّا نبحث دائماً في تطبيق الأفكار الواردة فيه على أرض الواقع. كان سالم ينقل كل فترة توجيهات لا نعرف مصدرها بالانتقال من مرحلة إلى أخرى». ويضيف: «زعم سالم بأنه وضع هذا الكُتيب بالتعاون مع عدد من الشبان السوريين»، لكن مازن اكتشف لاحقاً أن الكتيّب لم يكن سوى تلخيص لكتاب «أسلحة حرب اللّاعنف» لثلاثة مؤلفين، أحدهم صهر الشيخ يوسف القرضاوي.
يقول مازن: «كل ما كان علينا فعله هو التطبيق الدقيق لما جاء في الكتيب. انقسمنا إلى وحدات محلية وأخرى عالمية (يشرح الكتاب أنها عابرة للحدود تكون حيث يسود المناخ السياسي الحر). كانت مهمتنا في الوحدات المحلية القيام بخطوات تظهر الحراك على نحو جاذب. ليأتي دور الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بعدها». يتوقف عند فقرة في الكتاب تؤكد «وجوب الاعتماد على شعارات جاذبة للجمهور وقريبة من كلامه»، ويستذكر عشرات الشعارات المصوغة بعناية لجعلها قريبة من كلام الجماهير (الشعب السوري ما بينذل، الله سوريا حرية وبس، الموت ولا المذلة، إلخ). ويشير الى مواضع في الكتاب تتحدث عن ضرورة «الإكثار من كتابة الشعارات على الجدران»، والتركيز على «السخرية من الخصم»، لافتاً الى ظاهرة لافتات كفر نبل في هذا السياق.

«بيان الحليب» و«يا حيف»

«لا أحد يمكنه إنكار أثر بيان الحليب». يقول الشاب، متوقفاً عند فقرة تنص على «ضرورة إرسال عرائض على شكل بيانات موقعة موجهة إلى الخصم ظاهريّاً، لكنها موجّهة فعليا إلى الجمهور. مع الحرص على كون الموقعين من الشخصيات المرموقة ذات التأثير المجتمعي». كما يركز الكتاب على «إحياء الأغاني المقاومة التي تحقق عادة قبولا وانتشارا واسعاً». ويقول مازن: «كلنا عشنا المشاعر التي أججتها أغنية سميح شقير «يا حيف» وأغاني القاشوش والساروت».
«اتصالات حسين جبري الشهيرة بالمسؤولين والسخرية منهم نص عليها الكتاب أيضاً». يقول مازن، ثم يقرأ بنداً عن «ملاحقة المسؤولين عبر الاتصال بهم والضغط عليهم والسخرية منهم». ويضيف الناشط «المعتزل»: «حتى تظاهرات الطناجر التي راجت في فترة من الفترات موجودة في الكتاب»، لافتاً الى فقرة تحض على «الطّرق على الأواني المنزلية لجذب الانتباه للحركة الاحتجاجية والإشارة الى مدى انتشارها»، كذلك يلفت الى ظاهرة التكبير الجماعي في البيوت، التي انتشرت في حمص وحماة وريف دمشق، إذ تناولها الكتاب تحت بند «الأصوات الرمزية: النداء الجماعي والهتاف في المنازل بعبارات متفق عليها»، كما ركز الكتاب على أهمية الصلوات الدينية الجماعية، وإقامتها في أماكن الاحتجاجات، وهو ما جرى في أكثر من منطقة.

«علم الاستقلال» و«القوائم السوداء»

يقرأ مازن في الكتاب فقرة فيها: «يجب انتقاء علم يرمز للحراك يرفع بكثرة خلال التظاهرات، أو يُعلق على شرفات المنازل»، وتشدد على «أهمية رفع هذه الأعلام على أبنية عائدة للخصم». كذلك يلحظ الكتاب أهمية «إعداد قوائم بالصور والبيانات لعملاء الخصم ومجرميه وفضحهم إعلاميا على أوسع نطاق (جرى الاصطلاح عليهم في سوريا بلقب الشبيحة، ووصل الأمر إلى تشريع قتلهم). يقول مازن: «من هنا انطلقت فكرة القوائم السوداء».
ويستعرض الكتاب عشرات الإجراءات التي طُبّقت في سوريا. ومنها «الدعوة إلى وضع شموع على نوافذ وشرفات المنازل على نحو جماعي في توقيت واحد لترمز إلى نشوب شرارة نور الحرية»، و«قطع الشوارع بالعوائق الطبيعية كالحاويات المعدنية»، و«مقاطعة التعليم» (شعار لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس)، و«ملازمة المنازل والامتناع عن الذهاب للعمل» (الإضرابات التي وصل الأمر إلى فرضها بالقوة في حلب مثلاً)، و«الامتناع عن دفع فواتير الماء والكهرباء والضرائب والرسوم بأنواعها»، (جرى تطبيقه على نطاق واسع وخاصة في الريف). وصولاً إلى اقتحام الدوائر الحكومية واحتلالها، وإنشاء مؤسسات بديلة للمؤسسات الحكومية لتسيير أمور المواطنين (مجلس مدينة حلب الحر، ومحافظ حلب الحر نموذجاً)، تأليف حكومة ظل تكون بديلا عن حكومة الخصم لتنظم وتدير شؤون البلاد وتكسب ولاء المواطنين.
يقول مازن إنه لا يمتلك معلومات عن حقيقة الجهة التي قررت تحويل الكتاب إلى «كاتالوغ ثوري سوري». ولا حول الخطوات التي قد تكون تلك الجهة عمّمتها على ناشطيها، بعدما تحولت الأزمة السورية إلى حرب مفتوحة. فالكتاب ينتهي بخاتمة إنشائيّة، تتحدث عن ضرورة «عدم استنساخ التجارب، وقيام كل مجتمع بتطوير وسائله الفعّالة». من دون أن يُقدم حلولاً في حال فشل التجربة. يؤكد الشاب أنه آثر الانسحاب مع احتدام العنف، وتحديداً مع ظهور «جبهة النصرة». ويوضح: «قررت الانسحاب. شعرتُ بأننا دخلنا في نفق طويل، وتعزز ذلك حين سمعت الجولاني يقول في أحد تصريحاته ما خلاصته أن الثورة السورية التي نخالف أهدافها الديموقراطية من الوجهة الشرعية، كانت هي البيئة الحاضنة لمشروعنا. ولولاها لما استطعنا الدخول والانتشار في بلاد الشام». يرفض الإجابة عن سؤال: هل تعتقد أنكم مسؤولون عن تهيئة أرضية خصبة للإرهاب؟ وأمام إلحاحنا يكتفي بالقول: «ربّما، لكنّ عنف النظام هو السبب الأول».




عن الكتاب وناشريه ومؤلفيه

صدر كتاب «أسلحة حرب اللّاعنف» عام 2006، ويمتد على 275 صفحة. وهو واحدٌ من إصدارات «أكاديمية التغيير». التي أسسها في لندن كلٌّ من: هشام مرسي، وهو طبيب أطفال مصري مقيم في لندن، وأحد أصهرة الشيخ يوسف القرضاوي، وأحمد عبد الحكيم (حامل ماجستير في العلوم السياسية والتحليل الاستراتيجي من جامعة فيينا)، والمهندس وائل عادل. أصدرت المؤسسة أيضاً: «حلقات العصيان المدني»، «زلزال العقول ج 1»، «حرب اللاعنف - الخيار الثالث»، «الدروع الواقية من الخوف»، وصولاً إلى «زلزال العقول ج 2»، الذي صدر عام 2008. وقد عُمّمت أفكار هذه «الاكاديمية» عبر سلسلة كثيفة من المحاضرات التي ألقاها مؤسسوها في دول عدة منها: تونس، مصر، البحرين، والسودان.