لن يحصل حاملو لقب الأبطال أو نظراؤهم على فترة راحة كافية بعد نهائي ويمبلي، إذ يترتّب، على أغلبهم، وغيرهم من لاعبي الفرق الأخرى، السفر «مباشرةً» إلى ألمانيا أو الولايات المتحدة الأميركية لخوض استحقاقَي بطولة أمم أوروبا (يورو) في 14 الشهر الجاري وكوبا أميركا في 21 من الشهر نفسه.
تكدُّس المباريات على الصعيدين المحلي والدولي أثار ضجّةً كبيرة في الوسط الكروي على مدار السنوات، لترتفع الصرخة أكثر هذا الموسم.

العديد من المعنيين أظهروا اعتراضهم علناً تجاه كمية المباريات «المبالغ» فيها، وما قد تسبّبه من تداعيات سلبية على سلامة اللاعبين الجسدية والذهنية.

أعلى الصرخات جاءت من إنكلترا، حيث هدّد بعض لاعبي الدوري الإنكليزي الممتاز باللجوء إلى الإضراب إثر بلوغهم «نقطة الانهيار» على خلفية روزنامة المباريات المكثفة.

من جهتها، حذّرت رابطة اللاعبين المحترفين من تداعيات تكدس المباريات في رسالة موجهة إلى الاتحاد الدولي للعبة (فيفا)، داعيةً إلى اتخاذ إجراءات لتقليل عدد المباريات، ولا سيما مع التوجّه لإقامة كأس العالم للأندية العام المقبل في الولايات المتحدة الأميركية (من 15 يونيو إلى 13 يوليو) بحلةٍ جديدة بمشاركة 32 فريقاً، وهو ما جعل اتحاد اللاعبين العالميين ورابطة الدوريات العالمية يهدّدان «فيفا» باتخاذ إجراءات قانونية ما لم يتم تغيير هذه التواريخ.

يزداد الأمر سوءاً مع توسّع برامج مباريات كرة القدم بدءاً من الموسم المقبل، كإجراءات اعتمدتها الاتحادات القارية لمواجهة «سوبر ليغ» بحيث سيشهد كل من دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي ثماني مباريات لكل فريق في دور المجموعات مقارنةً بست هذا الموسم، وذلك لزيادة العائدات. وسيرتفع عدد الأندية المشاركة في المسابقات القارية الثلاث للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) إلى 36 لكل منها.
لعب كيليان مبابي دقائق أكثر بنسبة 37% من المهاجم الفرنسي السابق تييري هنري في العمر نفسه


سوء الحال لخّصها الرئيس التنفيذي للدوري الإنكليزي الممتاز ريتشارد ماسترز خلال الشهر الماضي، عندما وصف تغييرات الموسم المقبل بقوله: «إذا صببت المزيد من السوائل في الكوب المملآن، فسوف يفيض».

من جهته، أكد الرئيس التنفيذي لاتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين، ماهيتا مولانجو، في حديثٍ مع موقع «The Athletic» على قيام اللاعبين بإدارة جهدهم في المباريات، بقوله: «لقد طلبت منهم أن يخبروني بهذا. إنهم لا يلعبون بنسبة 100%، بل يحاولون اللعب بنسبة 60 أو 70% وينجحون. مع ذلك، يدفع المشجعون الثمن كاملاً. سيكون الأمر كما لو كنت أدفع مقابل مشاهدة بيونسيه ولكني لا أستطيع رؤية عرضها الكامل».

وأوضح استطلاع أجراه الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين في عام 2022 أن 50% من أعضائه شعروا بأن إجازاتهم الموسمية قد انتهكت من خلال الالتزامات المحلية أو الدولية، مع الإشارة إلى طلب هذا الاتحاد مراراً فرض فترة راحة إلزامية مدتها 28 يوماً بعد انتهاء الموسم، لكن الطلب جرى تجاهله.

وحاول الاتحاد أيضاً منذ فترةٍ طويلة التصدي للطلبات المتزايدة على اللاعبين، مقترحاً عام 2021 وضع حد أقصى للعب وهو خمس مباريات متتالية بهدف تقليل مخاطر الإصابة والإرهاق.


مستقبل صعب

يهدد العصر الحديث لكرة القدم باستنزاف المواهب الصاعدة، وتحديداً مع مرور الوقت. تُبرز أرقام الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين الصادرة عن موسم 2022-2023، مشاركة الإنكليزي جود بيلينغهام في 14445 دقيقة قبل عيد ميلاده العشرين، أكثر من واين روني في الفترة نفسها (10989 دقيقة). وأشارت الأرقام أيضاً إلى لعب كيليان مبابي دقائق أكثر بنسبة 37% من المهاجم الفرنسي السابق تييري هنري في العمر نفسه.

ولعل أكثر اللاعبين الذين ضُرب فيهم المثل خلال الفترة الماضية للإضاءة على تداعيات الإرهاق هو بيدري، لاعب برشلونة ومنتخب إسبانيا، حيث شارك الشاب الإسباني في أكثر من 200 مباراة مع ناديه ومنتخب بلاده رغم عدم إتمامه سن الـ 22، كما أنه لعب في موسم 2021-2022 وحده أكثر من 70 مباراة بين النادي والمنتخب الوطني والمنتخب الأولمبي. أما النتيجة، فتظهر تداعياتها الآن، حيث تعيق الإصابات بفعل الإرهاق تطور بيدري.

حالة لاعب برشلونة الشاب أثارت خشية الوسط الإنكليزي بأن تنسحب إلى بعض لاعبي «بريمييرليغ»، وتحديداً إلى نجم فريق مانشستر سيتي ومنتخب «الأسود الثلاثة» فيل فودن، الذي خاض هذا الموسم أكثر من 60 مباراة قبل أقل من أسبوعين على مشاركته المرتقبة برفقة منتخب بلاده في بطولة «يورو».

الإحصاءات لا تكذب. اتحادات الكرة وبعض الأندية تسعى وراء المال على حساب صحة اللاعبين. الحلول مطلوبة فوراً، بدءاً من اعتماد جداول مخفّضة لعدد جلسات التدريب وعدد المباريات التي يمكنك لعبها، وإلا سوف تكون العواقب وخيمة.