يُشكّل حُكّام كرة القدم الحجرَ الأساسَ على الرقعة الخضراء. هم محركو اللعبة وقضاتها. أصحاب الكلمة الفاصلة في كل حدث. دورٌ مهم لا يخلو من التعقيدات، إذ يتلقّى الحكام باستمرار انتقادات وشتائم من اللاعبين، الأجهزة الفنية، الجماهير ووسائل الإعلام. ولأنهم بشر، تكثُر أخطاؤهم. قرارات مصيرية كثيرة لم يُحسن الحكام اتخاذها، ما استدعى تدخل التكنولوجيا في المستطيل الأخضر أملاً بزيادة العدل، أو بتعبيرٍ أدق تقليل «الظلم».
عليه، ظهرت تقنية عين الصقر والحكم المساعد «VAR»... لكن الأخطاء استمرت، ما ضاعف النقمة على كل قرار تحكيمي غير صائب. برزَ ذلك بشكلٍ واضح في مختلف الدوريات، على رأسها الدوري الإسباني الممتاز، الذي يعاني الأمرّين على صعيد التحكيم أخيراً.
تنتقد مختلف الأندية الإسبانية معايير التحكيم في البلاد. يحتل حكّام «لا ليغا» العناوين العريضة في أغلب المباريات، وارتفعت الوتيرة بعد فتح تحقيق في مدفوعاتٍ يصل مجموعها إلى 7.3 ملايين يورو، قدّمها برشلونة لنائب رئيس لجنة الحكام السابق (CTA) خوسيه ماريا إنريكيز نيغريرا بين عامي 2001 و 2018، رغم نفي الطرفين المتهمين ارتكاب أي مخالفات.
آخر الحملات ضد حكام الدوري الإسباني يقودها ريال مدريد، حيث تبث قناة «الميرينغي» التلفزيونية بانتظام مقاطع فيديو لإظهار أن بعض الحكام متحيّزون ضد الريال، كما يدّعي النادي.
أبرز تلك المقاطع جاء قبل أسبوعين تقريباً، وتناول مباراة ريال مدريد خارج الديار أمام فالنسيا (2-2) في الجولة 27 من الدوري، حيث سجّل لاعب «الميرينغي»، الإنكليزي جود بيلينغهام، هدفاً ثالثاً قبل النهاية بلحظات، لكنّ الحكم أطلق صافرة اختتام المباراة دون احتساب الهدف، ثم طردَ بيلينغهام بسبب اعتراضه «غير المحترم» كما برّر الاتحاد الإسباني لكرة القدم بعدها (أعلن الاتحاد إيقاف اللاعب مباراتين مع دفعه غرامة مالية).
إجراءات الاتحاد الإسباني لم تنحصر باللاعب، حيث فتح هذا الشهر تحقيقاً تأديبياً في مقاطع الفيديو التي بثها تلفزيون ريال مدريد، بعد أن زعم إشبيلية أن البث قبل مباراته خارج ملعبه ضد ريال مدريد في فبراير/شباط سعى إلى «التأثير» على حكام المباراة المعيّنين، ما أدى إلى «أضرار جسيمة».
من جهته، ادّعى تشافي مدرب برشلونة أن مقاطع الفيديو على تلفزيون ريال مدريد «غشَّت» سباق لقب الدوري الإسباني هذا الموسم بسبب الضغط الذي يُمارس على المسؤولين قبل وبعد المباريات، لكن مدرب «الميرينغي» كارلو أنشيلوتي وشخصيات أخرى في النادي الملكي دافعوا عن مقاطع الفيديو، مشيرين إلى «حرية التعبير».

الحكم يحكم
على خلفية الأجواء «الملوّثة» التي تحيط الدوري الإسباني أخيراً، أجرى موقع «The Athletic» الرياضي مقابلة مع الحكم السابق إدواردو إيتورالدي غونزاليس، الذي عمل في الدوري الإسباني منذ عام 1995 حتى تقاعده في عام 2012.
وبعد مسيرة تحكيمية لمدة 31 عاماً، أصبح غونزاليس مدافعاً صريحاً عن زملائه السابقين في برنامج «كاروسيل ديبورتيفو»، وهو البرنامج الإذاعي الأكثر شعبية لكرة القدم في إسبانيا.
تكلّمَ غونزاليس في أكثر من نقطة، مشيراً إلى أن الثقة في التحكيم الإسباني وصلت إلى أدنى مستوياتها.
ادّعى تشافي مدرب برشلونة أن مقاطع الفيديو على تلفزيون ريال مدريد «غشَّت» سباق لقب الدوري الإسباني


في ما يتعلق بريال مدريد، أكّد الحكم المُعتزل أن مقاطع الفيديو متحيّزة على تلفزيون النادي الملكي لأنها تظهر الأخطاء التي تعرّض لها فقط، دون التطرق إلى الأخطاء التي استفاد منها. ورغم اقتراح رئيس الدوري الإسباني خافيير تيباس سحب ترخيص البث العام، يشك غونزاليس في أنه سيتم فعل أي شيء نظراً إلى قوة نادي ريال مدريد وملايين أنصاره في جميع أنحاء إسبانيا.
وانتقد غونزاليز بعض جوانب الـ«VAR»، خاصةً في ما يتعلق بتمرير الكثير من المعلومات إلى الحكم والانتظار الطويل أثناء مراجعة القرارات، ما يعني الكثير من الوقت للتفكير بالنسبة إلى المسؤول الموجود على أرض الملعب. وأكّد غونزاليز أن الحكم هو «الرياضي الذي يجب أن يفكر أقل ما يمكن، لأنه إذا بدأت في التفكير، فإنك تبدأ في التفكير في العواقب. وهذا هو الإنسان. يجب على الحكم أن يطلق الصافرة فقط على ما يراه بالفطرة. ليقرر على الفور».
وتكلّم غونزاليس مطوّلاً عن الضغوطات الكبيرة التي يتعرض لها الحكام، لافتاً إلى أنه بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى مستوى الدوري الإسباني، يكونون معتادين على النقد والإساءة، لكنّ الضحايا الحقيقيين هم أصدقاء وعائلات الحكام الذين يتم استهدافهم.