لم يحتج إلى «تطبيل» وسائل الإعلام، ولا إلى تفاعل مواقع التواصل، خسر أفضل لاعب في فريقه والهداف في المواسم الأخيرة. لم يشارك بطل موقعة ربع النهائي هيونغ مين سون أمام مانشستر سيتي في مباراة ذهاب نصف النهائي. اعتمد على نفسه، وعلى تشكيلته التي صنعها وكوّنها منذ سنتين حتّى الآن، من دون الحاجة إلى التعاقد مع أي لاعب في سوقي الانتقالات الشتوية والصيفية. أخرج بوروسيا دورتموند من دور الـ16، ليعود ويحقق المعجزة بإقصائه أحد أبرز المرشحين للظفر باللقب، نادي مانشستر سيتي ومدربه الإسباني بيب غوارديولا. عاد مرّة جديدة، وحقق «ريمونتادا» تاريخية، أمام أشبال أياكس، الفريق الذي دخل قلوب الجميع، إلاّ قلب هذا المدرب، الذي عرف كيف يخرجه، على أرضه وبين جماهيره. الحديث كله عن مدرب توتنهام الأرجنتيني ماوريتسيو بوكيتينو.عرفه العالم بداية في إسبانيا، وتحديداً عندما تسلّم مهام تدريب الفريق الثاني في إقليم كاتالونيا، نادي إسبانيول. الأخير، انتقل من مرحلة المصارعة على المراكز التي تتوسّط الترتيب العام للدوري، إلى فريق يحاول بلوغ أحد المحافل القارية الأوروبية الكبيرة (يوروباليغ، دوري أبطال أوروبا). نجاحه مع إسبانيول، صوّب عليه أعين الفرق الإنكليزية، ليستقر «بوكي» في مدينة ساوثهامبتون عام 2013. بعد موسم واحد في انكلترا (2013-2014)، تمكّن بوكيتينو من بناء فريق قارع كبار الدوري، معتمداً بصورة أساسية على الثنائي الإنكليزي الدولي آدم لالانا وجاي رودريغيز. احتل المدرب الأرجنتيني المركز السابع في الدوري الممتاز، لينتقل بعد موسم استثنائي مع فريق متواضع، إلى أحد الفرق التي لطالما شكّلت نداّ قوياً للفرق الأربعة الأولى في «البريمرليغ»، وهو نادي توتنهام هوتسبر. بين أسوار ملعب «وايت هارت لاين» القديم، استقر بوكيتينو منذ (2014-2015) حتّى الآن، أي إن الموسم الحالي له مع «الفراخ الإنكليزية» هو الخامس توالياً.
بنى بوكيتينو فريقاً إنكليزياً مميزاً، قادراً على إحراج أي فريق من الممكن أن يواجهه. بل إنه، وتحديداً في 2016، تقاسم المنافسة على صدارة الدوري مع فريق ليستر سيتي الذي توّج باللقب حينها بفضل رياض محرز وجايمي فاردي ونغولو كانتي، وبفضل المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري. منذ ذلك الموسم، لم يعد توتنهام الفريق المنافس على الدوري، نظراً إلى الـ«فحش» الذي تفشّى في باقي الفرق الإنكليزية، والذي تمثّل بصرف ملايين اليوروات على اللاعبين المنتدبين. لم يتمكّن بوكيتينو من مجاراة هذه الحيتان الضخمة، إلاّ أنه، وبقدرات مالية متواضعة، تمكّن من اقتناص لاعبين كانوا يشاركون ويلعبون في الظلال، كهيوغ مين سون الكوري، لاعب باير ليفركوزن السابق، وهاري كاين الذي صعد من أكاديمية النادي، حاله كحال النجم الإنكليزي ديلي آللي، ولوكاس مورا، نجم موقعة إياب نصف النهائي أمام أياكس، الذي لطالما كان حبيساً في مقاعد بدلاء باريس سان جيرمان، ولاعب أياكس السابق كريستيان إركسن، وغيرهم الكثير. مع هؤلاء، ومن خلال أفكاره المميزة في عالم التدريب، بنى فريقاً مميّزاً، وها هو اليوم يضرب موعداً مع نادي ليفربول في نهائي دوري الأبطال.
مسيرته كلاعب لم تكن بذلك التميّز. بدّل فرقاً عديدة، بينها الفريق الأوروبي الأول الذي أشرف على تدريبه، إسبانيول، كما شارك غرفة الملابس مع الساحر البرازيلي رونالدينيو في باريس سان جيرمان.
بوكي قام بعمل مميز في نسخة دوري الأبطال «المجنونة» الحاليّة، إذ تمكّن من إقصاء كلّ من بوروسيا دورتموند، ومان سيتي وأياكس أمستردام، أي إن العبقري الأرجنتيني تمكّن من إخراج ثلاثة فرق تمتلك ثقافة هجومية بحتة، معتمداً على خط دفاعه وحارس مرمى هو الفرنسي هوغو لوريس، الذي بدوره كان حاسماً في كثير من المباريات هذا الموسم.
مما لا شك فيه أن خسارة توتنهام لنهائي دوري الأبطال أمام «الريدز»، ستكون بمثابة الصدمة التي سيتعرّض لها هذا المدرب بعد كل هذا العمل، في حين أنه، ومن خلال تصريح له، قال «لن أستمر في توتنهام في حال عدم تحقيقي للقب الأبطال». من الطبيعي أن يفكّر أي مدرب، مكان بوكيتينو اليوم، في إنهاء مسيرته بلقب هو الأغلى أوروبياً، لكن في الوقت عينه، التجارب الجديدة لا بأس بها أيضاً، ولمَ لا؟ وبعدها يذهب بوكيتينو وينتشل منتخب بلاده الأرجنتين، ويعود معه بلقب «كوبا أميركا» في نهاية الموسم الحالي.