«لن تسير وحدك أبداً». الأغنية التي كتبها رودجرز وهامرشتاين لمسرحيتهما الغنائية في 1945. غنّاها الكثير من المغنيين قبل أن تتخذها الجماهير منهجاً لحياتهم. كرسوها لمعشوقهم الأول ليفربول. جمهور صدق النية في أغنيته، فكان القدر على وعده، ومنحهم فرصة البقاء بجانب من أحبوا. لفظوا آخر أنفاسهم في هيلزبره. عايشوا جنون نهائي الحلم في اسطنبول. خسروا الدوري مرّات في اللحظات الأخيرة. ولا يزالون يلفظون حتى الآن «سر، سر والأمل في قلبك ولن تسير لوحدك أبداً».لم يستطع جوردن هندرسون قائد ليفربول وصف شعور لاعبي الريدز وهم يسمعون الجماهير تغني النشيد الشهير لن تسير وحدك أبداً، وذلك قبل ساعات من أهم مباراة في الموسم للفريق. كان الأمل كبيراً في أن تشهد منصات التتويج عودة ليفربول التاريخية، ليعانقوا مجدداً المجد الذي صنعه ستيفن جيرارد ورفاقه أمام ميلان الإيطالي في 2005. حلم توقف باستلهام سيرخيو راموس أسلوبه الدفاعي من فن «الجوجيتسو» البرازيلي القتالي. خرج صلاح بإصابة من «الكابيتانو» وتعاطف من كريستيانو رونالدو. بدموع النجم المصري وخطايا كاريوس ومقصية بيل، نام ليفربول في تلك الليلة، نام حزيناً.
رغم الخسارة في كييف لا يزال جمهور «الريدز» يتذكر ما حصل في ليلة اسطنبول الأسطوريّة. ليلة الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2005 في اسطنبول، موعد نهائي دوري الأبطال. في تلك الفترة كان آي سي ميلان فريقاً كاملاً، حتى إنّ وصوله إلى المباراة النهائية كان حتمياً في حسابات الكثيرين، لدرجة أنّ مواجهة ميلان لليفربول بدلاً من تشيلسي اعتُبرت ترتيب القدر من أجل لقب سهل لأبناء كارلو أنشيلوتي حينها، ولكن ما حدث كان يفوق الوصف. كانت الكأس ذات الأذنين قريبة جداً، حتى إنّ غاتوزو ربّت عليها سريعاً وهو مغادر ملعب المباراة إلى غرف الملابس بين الشوطين، كأنها ابنته. كيف لا، وفي الدقيقة الأولى وببداية مثاليّة، تقدم ميلان على «الحمر» بهدف مالديني بتمريرة من بيرلو. وقبل نهاية الشوط الأول بست دقائق، وخلال تفكيرهم في تسجيل هدف التعادل، باغتهم كريسبو بهدفين متتاليين.
ابتسامة اطمئنان وربما استخفاف بدت على وجوه نجوم الفريق الإيطالي. سُمع صوت جيرارد يصيح في زملائه «هؤلاء الأوغاد يظنون أنهم قد أنهوا المباراة، لا، هذه المباراة لم تنته بعد». كلمات لم تكن مقنعة للاعبي الريدز، حتى سُمع دويٌّ ما في المدرجات. أمرٌ غريب قد حدث. كتب لاعب الوسط الإيطالي أندريا بيرلو في مذكراته «في إيطاليا، عندما تتأخر بثلاثة أهداف، فلا تنتظر دعم الجماهير. أعرف أنّ الأمر يختلف كثيراً في انكلترا، ولكن هذا لم يساعدني في استيعاب مشجعي ليفربول حينها». بدأت الأغنية في أحد أركان المدرجات، يصيح بها البعض. بعد لحظات انتشرت العدوى.
ساعدت الأغنية لاعبي ليفربول على تحقيق اللقب الأوروبي في 2005


وفي تصاعد تدريجي، بدأ ملعب أتاتورك في الاهتزاز بنشيدهم المعتاد «You Will Never Walk Alone». لحظات قرّبت الحلم بالعودة. بعد دقائق تلقى مرمى النادي «اللومباردي» ثلاثة أهداف. « كيف تعادلوا؟ لا أعرف حتى الآن. شاهدت المباراة بعد سنين طويلة، ولم أفهم»، قال بيرلو.
انتهت تلك المباراة لصالح ليفربول بضربات الترجيح. يعرف الجميع أنّ حارس مرماهم دوديك ذا السيقان «الاسباغيتية» تعمّد تشتيت خصمه برقصته البهلوانية على خط المرمى. ويرى البعض ضربة الجزاء التي احتسبها الحكم لجيرارد، والتي جاء منها التعادل، غير صحيحة. كلها أمور حدثت وتُصدّق. لكن ما لا يستوعبه العقل أنّ فوز «الريدز» جاء تأثراً بالأغنية. وعن تلك الليلة ختم بيرلو «لا أعرف تعداد سكان مدينة ليفربول، ولكني أتخيل أنهم أتوا جميعاً إلى الملعب يغنون. ربما لو لعبنا هذه المباراة على ملعبنا «سان سيرو»، كنا لنُهزَم أيضاً. ليس لأنهم أفضل منّا، فهذا غير صحيح، ولكن لأنهم يمتلكون تلك الأغنية».

جيرارد: غلطة الشاطر «بلَقَب»
لن ينسَ مشجعو ليفربول تعليق أندي غراي الخرافي بعد هدف ستيفن جيرارد التاريخي في مرمى أولمبياكوس، قبل دقيقتين فقط من نهاية الدور الأول لدوري أبطال أوروبا. هدفٌ جاء عن طريق تسديدة صاروخية حملت معها ليفربول إلى الدور الثاني وأرسلت غراي في نوبة هستيرية كان عنوانها: «Ohhh ya beauty, what a hit son, what a hit». أصبحت تلك اللحظة إحدى أجمل اللحظات في تاريخ النادي وجيرارد. ردّدت الجماهير بشغف كبير تلك الأغنية في تلك البطولة. بعد عشر سنوات من تلك الواقعة، غنّت الجماهير أيضاً لكن بحزن. فرصة الفوز بالدوري بعد غياب عقد كانت قريبة، حتّى انزلق جيرارد وضاع الدوري. كان ذلك في الـ27 من حزيران/يونيو 2014. تخلّت أغنية الريدز عن طابعها الملحميّ، واكتسبت بدلاً منه صوتاً جنائزياً غير مؤمن بها. كانت المرة الأولى التي يغنيها جمهور الأنفيلد على سبيل العادة فقط، والمرة الأولى التي شعروا فيها بأن الأغنية تحتضر لأنّ معناها يموت أمامهم. السبب يعود إلى القائد ستيفن جيرارد. عاش جمهور ليفربول وجيرارد أسوأ اللحظات عندما واجه تشلسي في تلك المباراة. انزلاق القائد كلّف هدفاً للسنغالي ديمبا با. خسر ليفربول بهدفين نظيفين وخرج من سباق المنافسة على البطولة قبل النهاية بمرحلتين.

صمت المدرّج
في ليلةٍ باردة، خسر ليفربول أمام ويست هام في الدوري على ملعبهم. كانت المرّة الأولى التي يهزم الريدز في أرضهم من ويست هام بالذات. وللمرة الأولى، غادرت الجماهير المدرجات قبل نهاية المباراة. لم تنتظر. كانوا يبحثون عن «ستيف» في الملعب. لم يجدوه، لهذا قرروا المغادرة. لم يهتفوا أو يشجعوا أو يغنّوا، فقط رحلوا. على عكس ما حدث في 1989، خسر «الحمر» الدوري أمام آرسنال في اللحظات الأخيرة. كان نجوم الفريق يقاومون البكاء بعد النهاية. وقفوا مع الجماهير وغنّوا «لن تسير وحدك أبداً». كانوا على ثقة بأنهم قادرون على استعادة الدوري في العام المقبل. كيف لا وهم يمتلكون كيني دالغليش مدرباً، والنجم الويلزي إيان راش وكابتن مثل روني ويلان. وبالفعل هذا ما حدث في العام التالي.

مدرب جديد لا يتحدث الإنكليزية
فاجعة أخرى كادت أن تودي بحياة الآلاف من جماهير ليفربول. الموت من «الملل». اكتست مباريات ليفربول مع برندن رودجرز طابعاً كلاسيكياً مملاً، إلى أن قدِم إلى الأنفيلد رجل ألماني «مجنون» يدعى يورغن كلوب. هو ألماني سيدرّب نادياً انكليزي من دون أن يتقن اللغة الإنكليزية. حاول عند وصوله جاهداً تعلمها بسرعة، لكنّه أوجد مصطلحات جديدة ومفردات «غريبة»، لدرجة أن أحد الصحافيين نصحه بأن يتكلم الألمانية في مؤتمراته الصحافية. ما يقوله ليس له علاقة باللغات المستخدمة في بريطانيا ولا حتى بلهجة سكان ليفربول التي تعرف بـ«سكاوس». كسَر كلوب ملل رودجرز الذي كاد أن يكون أسوأ من الهزيمة. «لم أرَ أكثر من مجموعة مملة من موظفي الأرشيف يلعبون كرة قدم مملة»، هذا ما صرّح به المدرب التاريخي لليفربول كيني دالغليش.
اختبار بطولي لكلوب في الدوري الأوروبي كان في انتظاره. بحبٍ قديم لم يضعفه، قابل يورغن كلوب فريقه السابق بروسيا دورتموند في مباراة جمعتهما في الدوري الأوروبي في 2016. عانق المدير الفني الجديد لليفربول معظم لاعبي فريقه الألماني السابق الموجودين في الملعب. المشاعر التي أحاطت بلقاء كلوب الأول مع ناديه السابق أضرت بدورتموند في نهاية المباراة. كان وقع المباراة كالتالي: أحرز دورتموند هدفين، وليفربول بحاجة إلى ثلاثة أهداف من أجل التأهل. وقف كلوب على الخط يتفاعل مع كل تمريرة للكرة ومع كل محاولة. يشيح بيديه في الهواء بكثير من الغضب. رؤية الألماني في تلك الوضعية تشعرك أن هذا الرجل يدرك جيداً أنه جاء إلى انكلترا إما ليصنع مجداً جديداً أو لينهي بفشله المحتمل كل أمل في عودة ليفربول. كلوب يعلم أنه لم يأت لينجح نسبياً أو كي يرتقي قليلاً بالنتائج، بل كي يحصد الألقاب، كي لا يذهب الأحمر العريق إلى المصير الذي انتهت إليه أندية أخرى مثل إيفرتون وأستون فيلا. الكثير من التاريخ دون حاضر.
في الشوط الثاني سجّل الحمر الهدف الأول. دورتموند رد سريعاً بتسجيل الهدف الثالث عن طريق ماركو ريوس. أصبح الوضع بذلك أكثر تعقيداً على ليفربول. لكن الألماني الذي جاء للرهان على كل شيء لم يرضَ بهذا. التغييرات التي أجراها كلوب في صفوف فريقه منحته التفوق، ليضيف كوتينيو بعدها هدفاً ثانياً. استمر كلوب بالركض إلى أن سجلوا هدف التعادل. حان وقت الغناء. جماهير الأنفيلد تغني من جديد. وبينما كان دورتموند يجهز نفسه للاحتفال مع جماهيره بالتأهل، أطلق المدافع الكرواتي لليفربول ديان لوفرين رصاصة الرحمة عليهم، بتسجيله الهدف الرابع لفريقه عند الدقيقة الأولى من الوقت بدل الضائع، ليأخذ فريقه إلى المربع الذهبي. أحرزوا هدف الفوز والجماهير من حولهم تغني. نحن منتصرون.
النهائي الأخير لن يكون الأخير
في نهائي كييف الأخير، هُزم ليفربول. وفي وسط ذلك الجو المهزوم خرج من المدرجات صوت يعرفه اللاعبون جيّداً، آلاف الحناجر تغني بصوت واحد، «لن تسير لوحدك أبداً». في صوت الجماهير وأدائها لهذه الأغنية أمرٌ مختلف جعل من الأغنية تتحول إلى صلاة. مهما حصل نحن معكم، إن كنا سنخسر فلنخسر سوياً، وإن كان هناك من أمل فلنبقه حيّاً. أمل هذا العام كبير، فخبرة ليفربول زادت. التجارب كثرت والأخطاء مع عناصر الفريق لن تتكرر. مع كلوب وصلاح وأليسون الجديد وغيرهم، الطريق نحو لقب الدوري لن يكون صعباً، ونهائي الحلم قد يعود.