يوم مثالي للعب كرة القدم، ويوم مثالي لجمهورها المحلي، والأكيد أنه كان يوماً أكثر من مثالي بالنسبة إلى الأنصار الذي أقصى غريمه التقليدي النجمة من الدور ربع النهائي لمسابقة كأس لبنان بتغلبه عليه بهدفين نظيفين، وذلك في المباراة التي أقيمت بينهما على ملعب رشيد كرامي البلدي في طرابلس.اللقاء الثالث على التوالي في الكأس الذي أقيم خارج العاصمة بعد نهائيين متتاليين بينهما على ملعب مجمع الرئيس فؤاد شهاب الرياضي في جونية، خلق مرةً جديدة حالة شعبية استثنائية في طرابلس التي شهدت حضوراً لافتاً لجماهيرهما في اللقاء الذي جمعهما في بطولة الدوري في آذار الماضي.
لكن هذه المرّة كان الحشد أكبر، فالمباراة أقيمت يوم الأحد، وفي أجواءٍ مناخية مثالية، وحملت أهميةً كبيرة لطرفيها كما جرت العادة، فكان أن لبّى الأنصاريون النداء مجدداً، إن كان شمالاً أو من خلال انطلاقهم من بيروت باتجاه عاصمة الشمال، بينما لم تغب "قوافل العشق النجماوي" عن الموعد فتقاطرت من كل المناطق اللبنانية ومنها كانت قادمة من الجنوب.

شوط أوّل حافل
المهم أن الجمهور لم يندم على قطعه كل تلك المسافة، إذ إنه تابع شوطاً أوّلَ نديّاً بين القطبين، ومليئاً بالفرص التي حملت خطورةً لكن من دون أن تصيب الشباك. كما برزت المعركة التكتيكية بين المدربين يوسف الجوهري والصربي دراغان يوفانوفيتش الذي تذوّق طعم "الدربي" للمرّة الأولى، وذلك في وقتٍ تذوّق فيه فريقه خسارته الثالثة هذا الموسم أمام "الزعيم" الأخضر الساعي إلى تعزيز رقمه القياسي في كأس لبنان التي رفعها 15 مرّة مقابل 8 مرات للنجمة.
بكل الأحوال، تبادل الطرفان الاستحواذ في النصف الأول من اللقاء، حيث حاول النجماويون فرض رقابة لصيقة على مفاتيح الأنصار المنقوصة من نادر مطر المصاب، ما أفسح المجال أمام زميله الدولي محمد علي الدهيني للعب أساسياً. لكنّ دهاء الجوهري وذكاء حسن معتوق خلقا مشاكل جمّة للدفاع "النبيذي" بحيث ترك الأخير مركزه خلف المهاجم وانتقل إلى الجهة اليمنى ليخلق جبهةً مع الجزائري هشام خلف الله أرهقت الظهير الأيسر محمد صفوان.
لم يندم الجمهور على قطعه مسافات طويلة لمشاهدة "دربي بيروت"


هذا في وقتٍ أكد فيه ربيع عطايا مرةً أخرى أنه الصفقة النجماوية الذهبية بحيث استعرض مهاراته ليصنع الخطورة، وبينها كرة مرّ من خلالها عن الحارس نزيه أسعد ولعبها باتجاه الشباك، ليلاقيها المدافع الشاب المميّز ماكسيم عون ويقطع طريقها، حارماً النجمة من افتتاح التسجيل.
أما الشوط الثاني من اللقاء فكان بطلاه هما المهاجم السنغالي الحاج مالك وتقنية فيديو الحكم المساعد، ففي حالة الهدف الأول في الدقيقة 60 حسم الـ "VAR" صحة قرار الحكم محمد عيسى باحتساب ركلة جزاء ترجمها النجم الأسمر إلى هدفٍ أول، قبل أن ينفرد ويرسل الكرة إلى يسار الحارس علي السبع في الدقيقة 79، لكنّ رايةً من الحكم المساعد ألغت هذا الهدف.
وهنا تدخّل الـ "VAR" مجدداً، ورسم الخطوط بوضوح، ليشير إلى صحة الهدف الذي أطلق فرحةً جنونية في المدرجات الأنصارية.

الحاج مالك والتاريخ
هذان الهدفان ليسا كل شيء في هذا الإطار، إذ إن مسجّلهما استمر في كتابة تاريخه الخاص في مباريات "الدربي"، فرفع رصيده كأفضل هداف فيها في المسابقة الرسمية إلى 16 هدفاً (11 في الدوري، 3 في الكأس، و2 في النخبة).
وفي لغة الأرقام، حقّق الحاج مالك ما لم يحققه أحد، إذ سجّل في 5 "دربيات" متتالية ما مجموعه 9 أهداف، بينها 4 ثنائيات متتالية، 3 منها خلال الموسم الحالي!
هو بدا وكأنه وحدَه قادر على قتل أحلام النجمة في كل مرّة، بينما كان الأخير عاجزاً تماماً على الصعيد الهجومي في فتراتٍ كثيرة من اللقاء وكأنه يلعب منقوصاً كونه افتقد لمهاجمٍ خطير في ظل شغل البرتغالي فيتور باراتا مركز رأس الحربة، وهو ليس مركزه الحقيقي. أضف أن التبديلات النجماوية المتأخرة جداً تركت دلالةً على هذا الكلام حول نقصٍ يعانيه هذا الفريق في ظل نقصٍ في تشكيلته التي لا تضمّ عدداً كبيراً من اللاعبين القادرين على مواجهة ضغوط "الدربي" أو صناعة الفارق فيه على غرار ما فعل الحاج مالك وزملاؤه وبينهم الفلسطيني محمد حبوس الذي أصاب العارضة بعد فاصلٍ مهاري مدهش.
فعلها الأنصار مرةً جديدة ورفع رصيده إلى 11 انتصاراً في 16 مباراة لعبها مع النجمة في كأس لبنان منذ عام 1986، ليصيب أكثر من عصفورٍ بحجرٍ واحد، فهو حقّق فوزاً معنوياً جديداً سيساعده جداً في السباق إلى لقب الدوري حيث سيلاقي غريمه مرتين في الجولات المقبلة لسداسية الأوائل. كما أنه أطاح بالنجمة من المسابقة، وقضى بالتالي على آماله في محاولة معادلة إنجازٍ لم يحققه أي فريق غيره، وهو التتويج بالكأس ثلاث مرات متتالية، وهو إنجازٌ كان "الأخضر" قد كتبه باسمه مرتين خلال عصره الذهبي في تسعينيات القرن الماضي.