وعد شبيب أنّ الملعب سيبقى لبيروت وأنه سيعمل على تحسينه
في انتظار الفرج
وحدهم «الناس» الذين يلتزمون. يلتزمون الصمت. يلتزمون بيوتهم. ويلتزمون شغفهم بالملعب أيضاً. يستذكر عدنان الشرقي كيف هزم الأنصار البيروتي «الفريق المجري»، الذي كان حسب الشرقي أحد أفضل فرق العالم. هنا على ملعب بيروت البلدي، يشعر الرجل الذي يعرفه البيارتة ويعرفه جزء من تاريخ المدينة، أنه والملعب متصلان، لا ينفصل واحدهما عن الآخر. يزداد فخراً، ويتحدث: أغلب الدول الكبرى تحوّل ملاعبها القديمة إلى تراثٍ تاريخي كملعب «ويمبلي» في العاصمة الإنكليزية «...ونحنا بدنا نهدم!». يمثّل ملعب بيروت البلدي للشرقي أسلوب حياة، فيه تابع دراسته اليومية بعيداً عن مكعبات الباطون التي بدّلت معالم المنطقة. ينهي كلامه: «الملعب يفتقد أبناءه»، متمنيّاً من المسؤولين «إتاحة الملعب من جديد لعامة النّاس إذا تعثّر عليهم إعادة استضافة المباريات من جديد على أرضه». ومن هذه النقطة، يمكن الحديث عن زيارة المحافظ «العزيزة»، إلى عاصمته «الحبيبة»، بيروت، وإلى معلبها، في أحد أكثر شوارعها اكتظاظاً. أين يذهب الناس؟
الملعب أحد معالم المنطقة وهو متنفس أهلِها. طريق الجديدة التي تختنق بزحمة السّير حتى تكاد تنفجر. حالها كحال سائر شوارع العاصمة وضواحيها. يزداد الوضع سوءاً مع انفلاش العمران عشوائياً والتعديات حول الملعب البلدي؛ المنشأة الرياضية الثانية في المكان بعد مدينة كميل شمعون الرياضية. المفارقة أن عمر الملعب من عمر الانتداب الفرنسي في الثلاثينيات، أكبر من «المنطقة» نفسها وحسب ما يقول سكان من طريق الجديدة ممازحين: «بالنسبة لنا متل أعمدة بعلبك». وعلى الجهة المقابلة للمعلب، يشهد مبنى من ست طبقات على عصرٍ ذهبيٍّ لملعبٍ عاصر أهم مباريات كرة القدم اللبنانية. المشجعون الغائبون عن الشرفات منذ سنوات، يحفظون في ذاكرتهم مشاهد كروية لا تُنسى. سينظرون اليوم إلى المحافظ وإلى اتحاديين وإلى شخصيات بربطات عنق أو بدونها، يتجولون في الملعب. يعاينون ما حلّ بهِ. ومن أماكنهم في الشرفات التي هي مدرجاتهم، لن يسمعوا الوعود. بين الطيبين في الطريق الجديدة والملعب البلدي علاقة غريبة... «لا يمكن وصفها»، هكذا يقولون. بعد ما آلت إليه الأحوال، أقفل الملعب أبوابه أمام جيلٍ كاملٍ تربّى بين مدرجاته، «فهنا عرفنا مبادئ اللعبة الشعبية الأولى في العالم». يبحثون عن الشغف الضائع لمباريات النجمة والأنصار. الديربي الأجمل في لبنان، بل في العالم برأيهم، فهذه مدينتهم. ذكريات الماضي تستعاد عندما يتحدثون عن الملعب كما و أنهم يتحدثون عن أنفسهم.
تعديات العمران تفاقم الأزمة
بغض النظر عن الأرضية غير الصالحة، والمدرجات التالفة، وكل ما سيجده المحافظ اليوم، وسيحدد لاحقاً كم سيصرف، إن كان أمر الإصلاح جدياً، فالصورة من الخارج ليست مشجعة. يقف عناصر الجيش اللبناني بلباسهم العسكري على أحد مداخل ملعب بيروت البلدي متأهبين. يحرسون ملعباً خلا إلّا من بعض الفتية المتسللين إلى السّور الخارجي. يطغى ضجيج السيارات على مشاغبتهم في الداخل. أرضية الملعب مهترئة لا تصلح حتى للمشي، ومدرجات يسودها الصمت وتكسوها طبقات الغبار. الملعب الذي يشكّل رئة المدينة الوحيدة في ظلّ تقلص المساحات العامة حول العاصمة، تُطرح علامات استفهامٍ كثيرة حول مستقبله: هل سيعاد تأهيله فعلاً؟ الجدل مستمر منذ حوالى 7 سنوات، في وقتٍ تتنامى شكوك أهالي المنطقة حول جديّة تعاطي المسؤولين مع هذه القضية. الوقت ليس في صالح المهتمين، الذين لا يكترثون لموقع الملعب، ولا للزحمة. يحبّون ملعبهم. عموماً، وفي الشكل الهندسي للمنطقة، تتلاصق الأبنية في الطريق الجديدة بفعل العمران العشوائي. الأحياء المجاورة للملعب متداخلة في ما بينها. الشوارع الضيقة تكاد لا تتسع لركن سيارةٍ واحدة. على كتف الملعب، مدرسة رسمية أيضاً، تعيق حركة المرور في وقت الذروة. هكذا تضيق المنطقة بمعلمها الوحيد. فما هو رأي التنظيم المدني؟ لساحة الشهيد حسن خالد مميزاتها العمرانية في أي حال. فبحسب المهندسة المعمارية سوسن سعد إنّ «الشقق السّكنية التي تطل على الملعب هي الأغلى في المنطقة على الرغم من أنّ أسعارها لا توازي أسعار الشقق الأخرى في بيروت». من جهةٍ أخرى، توضح سعد ما لا ترغب البلدية برؤيته: «السبب الأول لشق الطرقات الأساسية لمداخل بيروت كجسر سليم سلام هو لوصل الضواحي وطرقات الجنوب بملعب بيروت البلدي، وتالياً فإنّ الزحمة ليست بسبب اكتظاظ المنطقة بقاطنيها فحسب، بل بسبب التعديات على العمران المحاذي لسور الملعب»، مذكرة بأن «مشكلة السير لا تحلها إزالة المنشآت الكبرى وبناء مواقف سيارات عشوائية يميناً وشمالاً إنّما بوضع خطة لتنظيم السيارات الخاصة والعمومية». وما ينسحب على مشكلة السير، ينسحب على كل شيء تماماً. لا يكفي «الترقيع»، بل غالباً تكون هناك غايات خلف هذه العملية. الحلّ يجب أن يكون جذرياً.
أرض البطولات
يلتصق اسم الملعب البلدي بنادي الأنصار. على أرضيّته الرمليّة تدرّب لاعبون كثر قبل أن يصيروا نجوم الصفّ الأوّل. «دعسات» أقدامهم الأولى لا تزال مطبوعة هناك. بينهم وبين الملعب علاقة تاريخية لا تشيخ. إنه «روح الأنصار» كما يصفه مدرب النادي السابق عدنان الشرقي. يخبئ الشرقي في ذهنه الكثير من المحطات الكروية التي لا يمكن اختصارها. تتزاحم الصور والأحداث: 12 بطولة توّج بها نادي الأنصار على أرض هذا الملعب: «إنه أرض البطولات».
الأساس كولونيالي!
يعدّ ملعب بيروت البلدي من أقدم الملاعب في لبنان بعد أن شيّده الجيش الفرنسي في عام 1936 لإقامة الاحتفالات والمباريات الرياضيّة. مع الاستقلال عام 1946، اتخذ الملعب قيمته الوطنية حين تسلّم اللواء فؤاد شهاب قيادة الجيش على أرضه، إضافة إلى إقامة العديد من المظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة للاجتياج الإسرائيلي في عام 1982، وهو يعد من معالم المنطقة، إضافة إلى جامعة بيروت العربية. وكحال المنشآت الرياضية الكبرى يحتاج إلى المتابعة الدورية والتجديد خلال 4 سنوات كحدٍ أقصى.
6 آلاف متر مربع
الملعب البلدي الذي عرِف أبرز فترات ازدهار الكرة اللبنانية حتى عام 2008، تعود ملكيّته الكاملة لبلدية بيروت. على عقارٍ يبلغ مساحته حوالى 15 ألف متر مربع، بني الملعب بمساحةٍ تقارب 6 آلاف متر مربع، فيما تم استثمار المساحة المتبقية بمشاريع أخرى. عام 1997، تم تحديث الملعب وتوسيعه برعاية رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري من أجل استضافة بطولة أمم أسيا، آنذاك، بتكلفة بلغت 20 مليون دولار. في لبنان، يطال الإهمال القطاع الرياضيّ ككلّ القطاعات الأخرى، وحال الملعب لا يشبه نشأته.
كلفة التأهيل
في الشّكل، يفترض للملعب أن يتّسع لـ18 ألف مشجع. هذا في حالاته الجيّدة. لكن بفعل تحطّم عددٍ كبيرٍ من الكراسي وتضرر جزءٍ من البنية الأساسية للملعب، بات لا يستوعب نصف عدد الجماهير. وبحسب المتخصصين، فإن أرضيّة الملعب المهترئة بشكلٍ كامل بحاجة لإعادة زرع عشبٍ من جديد، ما سيعجل تكلفة تأهيله باهظة جدّاً، وقد تصل إلى أكثر من 40 مليون دولار. لكن متخصصين آخرين، أكثر جدية، يؤكدون أنه في حال وضعت خطة جدية، وبدون هدر، فإن كلفة التأهيل لا يجب أن تتجاوز 10 ملايين دولار.