بيروت في «فاينال 4» بطولة لبنان لكرة السلة. صورة لم يكن ليتوقعها أي متابع للعبة قبل انطلاق الموسم الحالي، فأي فريق يصعد من الدرجة الثانية لا يدخل ضمن الترشيحات للوقوف في الدائرة الذهبية النهائية، لكن الفريق الذي يحمل اسم العاصمة فعلها، وهي مسألة أثارت الإعجاب والسؤال أيضاً حول الأسباب الفعلية التي ترجمت نجاحاً لافتاً نادراً ما أصابته الأندية بهذه السرعة.مجموعة أسباب أوصلت إلى هذا النجاح السريع، وهي بدأت في المكاتب قبل الملاعب، إذ إن مجموعة من الإداريين المنغمسين باللعبة منذ فترة ليست بقصيرة هم من ذهبوا إلى تأسيس هذا النادي، في خطوةٍ رأى فيها البعض ردّ فعلٍ على خروجهم غير الطبيعي من نادي الحكمة بعد تجربةٍ سيئة عرفوا خلالها كل أنواع المشكلات والعقبات.
اسماء مثل نديم حكيم (الرئيس) وإيلي سماحة (نائب الرئيس) وجوزف عبد المسيح (أمين السر) وطارق كرم (أمين الصندوق) عرفها الوسط السلوي منذ فترة ليست بقصيرة من عدة أبواب (تضم اللجنة الادارية أيضاً الممثل عادل كرم والأب جهاد صليبا وجورج هنري شلهوب)، لكن بلا شك فإن مشروعها الأنجح، وبالنظر إلى قصر الفترة الزمنية هو الأكثر مثالية استناداً لما تحقق.
«البريزيدان» حكيم لا يخفي أن «الوصول إلى دور الأربعة هو نتيجة نوعية لم تكن متوقعة بالنسبة إلينا قبل انطلاق الموسم الحالي، بل إننا اعتبرنا أن إنجازنا النوعي كان التغلب على كل الفرق الكبيرة في البطولة». ويتابع: «مشروعنا يمتد لخمس سنوات وطموحنا لم يكن حصد النتائج الكبيرة بهذه السرعة القياسية بل التأسيس بطريقة صحيحة تفرز لاحقاً الألقاب، وهو مشروع كامل متكامل لا يقتصر فقط على الفريق الأول بل توسيع دائرة الاهتمام بكرة السلة التي لم نودّ تركها بعد الخروج من الحكمة، فكان ردّ فعل إيجابياً اسمه بيروت».

استقرار إداري وفني
مما لا شك فيه أن الخبرة التي حملها هؤلاء الأشخاص معهم من تجربتهم السابقة في الحكمة كانت في صلب النجاح الفني الذي تحقق على أرض الملعب، إذ إنه في كرة السلة اللبنانية من النقاط الأساسية التي تخلق الاستقرار هي تأمين الراحة النفسية اليومية للاعبين بعيداً من المشكلات التي تعرفها غالبية الأندية على هذا الصعيد، فالموضوع البسيكولوجي لدى اللاعبين الأجانب قبل اللبنانيين هو حجر أساسي في خلق حالة الاستقرار الضرورية التي تنطلق من تأمين الالتزامات تجاههم.
وهذه النقطة شرعت الإدارة البيروتية في إظهارها إلى اللاعبين منذ بدء عملية اختيار التشكيلة التي ستمثله في البطولة، إذ إن لاعباً دولياً مثل باسل بوجي كان قد وقّع مع الحكمة قبل أن يفشل النادي الأخضر في تأمين ما التزم به معه، شعر برؤية واضحة في نادي بيروت، فكان أن انضم إليه من دون تردد، على رغم أن لاعباً بإمكاناته لم يكن ليأخذ مخاطرة الانضمام إلى فريقٍ جديد (وبمبلغٍ أقل) بدلاً من اختيار فريقٍ حاضرٍ بقوة في دائرة المنافسة. ومما لا شك فيه أنه بفعل شعوره بالاستقرار في بيروت تحوّل إلى أحد أفضل لاعبي البطولة أرقاماً وأداءً حيث يقدّم اليوم أفضل مستوى له في مسيرته، فكانت هذه المسألة من النجاحات الفنية الكبيرة.
أضف إلى هذه النقطة إعطاء لاعبين آخرين دوراً كبيراً لم يكونوا ليجدوه في فريقٍ آخر، فصانع الألعاب ميغيل مارتينيز مثلاً يقدّم أفضل مواسمه على الإطلاق بعدما بقي في الظل خلال فترات تنقله بين فرقٍ كبيرة عدة وقبل وصوله إلى اللويزة في الموسم الماضي. كما أن المدرب الوطني باتريك سابا يعرف كيفية إخراج الأفضل من لاعبيه، إذ إن روبير بو داغر مثلاً وعلى رغم أن البعض رأى أنه وصل إلى نهاية مسيرته، فإنه يأخذ دوراً جيّداً من مقاعد البدلاء...

العنصر الاجنبي الثابت
ويحسب لسابا أصلاً حجم العمل والنتائج التي أصابها على رغم أن تشكيلته محدودة ولا تضم أسماء أو خيارات كثيرة، وهو أرسى استقراراً فنياً حتى على الصعيد الأجنبي بعكس غالبية فرق الدوري، إذ إن التغيير الوحيد، والذي كان مفصلياً بمكانٍ ما، هو استبدال الليتواني فيتاس سولسكيس بلاعب الحكمة السابق مايك إيفيبرا، في وقتٍ استفاد من وجود أجنبي إضافي هو الأميركي جوزف جونز الذي حلّ بديلاً لمواطنه لاعب الارتكاز كيانو بوست عند تعرضه للإصابة. أما كريس كراوفورد الذي لم يكلّف بيروت مع مجموعة الأجانب الآخرين في الفريق ما كلّفه أحد أجانب الرياضي أو هومنتمن أو الشانفيل على سبيل المثال، فهو قدّم أداء خارقاً وفرض نفسه من بين أفضل الهدافين وأكثرهم ثباتاً في المستوى، فضلاً عن قدراته القيادية الممتازة. وفي هذه النقطة أيضاً ذكاء فني ناجم عن خبرة كبيرة، إذ من غير المنطقي أن يستقدم الفريق لاعباً أجنبياً بمبلغ ضخم في الأدوار الإقصائية من دون أن يكون ضامناً لإمكانية تأقلمه السريع مع الفريق وتقديمه المطلوب منه ليكون قد حصّل النادي المال الذي دفعه للتعاقد معه، وهي حالة طفت سلباً في أندية عدة هذا الموسم.
كما يحسب لسابا كيفية وضع الفريق على السكة الصحيحة بعد بداية صعبة في البطولة كادت تترك آثارها المعنوية عليه وتغيّر من حساباته، وذلك عندما خسر أمام هومنتمن والرياضي والحكمة توالياً. لكن بعد المباراة الأخيرة وعند الفوز على الشانفيل في ديك المحدي شعر الفريق بأنه يمكنه الفوز على أيٍّ كان، قبل أن تخدمه ظروف البطولة في مرحلة المجموعتين، لينهي الموسم العادي في المركز الثالث، وهو فعلاً إنجاز لفريقٍ وصلت موازنته إلى 800 ألف دولار (وضع موازنة بقيمة 600 ألف دولار قبل بداية الموسم) أي أن المبلغ لم يتخطَ المليون دولار، وهو أمر نادر حالياً في ظل تضخم الأسعار في كرة السلة اللبنانية، ما يعني أن الخط الذي رسمه هذا النادي الفتيّ يمكن أن يكون أمثولة لأندية أخرى، لكن هذا الأمر يقتصر على إيجاد توليفة إدارية تتمتع بالكيميائية وأفكار أعضائها متقاربة.
وعن هذه النقطة يتحدث حكيم قائلاً: «نعلم أننا قد نواجه ضغوطاً قبل الموسم المقبل لأننا وصلنا إلى هذه المرحلة المتقدّمة، لكن أحد أسباب نجاحنا هو عملنا من دون ضغوط بعكس ما عرفناه في الحكمة مثلاً حيث كنا مطالبين يومياً بالانتصارات والألقاب. ما أعنيه هنا هو أننا نرصد مواصلة العمل بنفس التفكير والمنهج لنحقق أهدافنا بالطريقة المثلى ومن دون وضع أنفسنا في مشكلات مالية أو غيرها، وذلك على رغم أننا نعلم مدى حجم المسؤولية التي أصبحت ملقاة على عاتقنا الآن».
وبالحديث عن الشق المادي، يعدّ بيروت مع الشانفيل الأكثر استقراراً مادياً بحسب المراقبين عن كثب، إذ لديه الآن أربعة رعاة أساسيين إضافة إلى مجموعة أخرى من الرعاة، ومجلس أمناء يرأسه جوزف عون ويضم 8 أعضاء آخرين، وسط توقعات بارتفاع العدد مع اقتناع عددٍ لا بأس به من الميسورين بالمشروع البيروتي الحديث العهد.

دعم من المجتمع المدني
ولا يقتصر نجاح بيروت في الملعب على نتائجه فقط، إذ يلفت حكيم إلى أن الصورة الحسنة التي عكسها الفريق شجّع الكثيرين على متابعة مبارياته من المدرجات، إذ على رغم أنه بدأ البطولة من دون وجود مشجعٍ واحد خلفه، فإن عدداً لا بأس به من المشجعين يصل إلى 500 مشجع تقريباً حضروا في كل مباراة في الفترة الأخيرة.
اسم بيروت أصلاً لا بدّ أن يستقطب أو يجذب إليه فئة جديدة من المشجعين، وهو أمر يشرحه طارق كرم الذي كان خلف التسمية بقوله: «نظرتنا كانت أبعد من اللعب في لبنان، إذ من الجميل أن تضع اسم العاصمة بين أبرز المدن العربية والقارية، وهي مسألة من دون شك تلفت الأنظار إلى الفريق تماماً كألوانه، إذ إن البنفسجي هو لون غير مستخدم في لبنان. ما أعني هنا بالقول إننا خلقنا هوية خاصة بالفريق وجذابة في آنٍ معاً».
إذاً هو فريق لم يأخذ من أحد لا جمهوره أو طريقة إدارته أو ثقافة لعبه، لكنه بلا شك يأخذ من كل الفرق الكبيرة قسماً كبيراً من الأضواء والاهتمام، ليكون على شكل العاصمة بحيث أنه بات دائماً في قلب الحدث وغير مرتبطٍ بأي مرجعية سياسية او دينية بل بمجموعة من الجمعيات.