لا يزال المنتخب الجزائري يحلم بتكرار تجربته خلال بطولة كأس العالم (2014) التي أقيمت في البرازيل. في ذلك الوقت، كان الجميع يترقب ما قد يقدّمه منتخب «محاربو الصحراء» خلال العرس الكروي الكبير، نظراً إلى جودة اللاعبين لديه، وإلى حنكة المدرب البوسني وحيد هاليلودزيتش، الذي يملك تاريخاً مميّزاً في عالم التدريب. ما كان سيحدث خلال مونديال 2014، والـ«معجزة» التي كانت قريبة جداً من أن تتحقق، والتي تتمثّل في إقصاء المنتخب الألماني (بطل نسخة 2014) من دور الـ16، خير دليل على القدرة والقيمة الكبيرتين، اللتين كان يتمتّع بهما المنتخب الجزائري. أسماء لمعت خلال تلك البطولة، بينها صانع ألعاب فريق بورتو البرتغالي ياسين براهيمي، لاعب فالنسيا السابق وغلطا سراي الحالي سفيان فغولي، وغيرهما من الأسماء، على غرار مهاجم المنتخب ولاعب ليستر سيتي الإنكليزي السابق إسلام سليماني. توليفة مميّزة جهّزها المدرب البوسني نفسياً ومعنوياً، جعلت المتابعين يشاهدون أفضل نسخة من منتخب الجزائر منذ سنوات عديدة. نسخة، كادت تطيح منتخب «الماكينات الألمانية»، لولا تألق حارس المرمى مانويل نوير في ذلك الوقت.بعد مونديال 2014 والخروج المشرف من دور الـ16، بدأت المشاكل تظهر في غرفة ملابس المنتخب الجزائري. ولعلّ «القنبلة الكبيرة» كانت رحيل المدرب هاليلودزيتش، وتعيين المدرب الفرنسي كريستيان غوركوف مكانه. لا أحد يعلم ما هو سبب خروج المدرب البوسني بعد أن قدّم عملاً ناجحاً برفقة «ثعالب الصحراء» على مدار ثلاث سنوات من الزمن (تسلم المدرب عمله في 2011). هذا التخبّط في الإدارة وفي الاتحاد الجزائري لكرة القدم، سبق البطولة الأهم على الصعيد الأفريقي، أي كأس الأمم الأفريقية بعام واحد فقط. في 2015، خرج المنتخب «الأخضر» من دور الربع نهائي من البطولة الأفريقية بعد أن كان على رأس المرشّحين للظفر بالكأس الذهبية. مع هذه الخسارة، انتهى عمل المدرب غوركوف مع المنتخب، وفُتِح الباب على أزمة جزائرية على الصعيدين الفني والمعنوي، وها هي لا تزال مستمرّة حتّى يومنا هذا.
سيكون الاعتماد على اللاعبين المحترفين (عن الويب)

بعد رحيل غوركوف، عيّن الاتحاد الجزائري لكرة القدم مدربين اثنين، وتمّت إقالتهما خلال سنة واحدة (2016)، وهما المدرب الجزائري نبيل نغيز، والمدرب الصربي ميلوفان راجيفاك. هذان المدربان لم يستطيعا إخراج المنتخب الأخضر من الحالة النفسية الصعبة التي كان يعاني منها خلال السنتين الماضيتين. هذا الأمر أدّى إلى اتخاذ الاتحاد الجزائري إجراءاته المعتادة، وهي إقالة المدربين، وتعيين آخرين، ومن ثم إقالة من تعيّن بعد فترة زمنية ليست بالطويلة. في موسم (2016-2017)، وتحديداً مع بداية كأس الأمم الأفريقية عام 2017، كان الاتحاد الجزائري قد عيّن، بعد إقالة المدرب الصربي راجيفاك، مدرباً بلجيكياً يدعى جورج ليكنز، ليقود زملاء بطل الـ«بريمرليغ» وقتها رياض محرز وزملائه خلال البطولة القارية الأفريقية. خلال المسابقة، حدث ما كان متوقعاً، خرج المنتخب الجزائري من الباب الضيق، بعد أن أطاحه منتخب عربي آخر، هو المنتخب التونسي من دور المجموعات. سنة تلو الأخرى، يتأكّد للمتابعين من نقّاد وجماهير جزائريون، أن ما يعاني منه المنتخب ليس أمراً فنياً خالصاً، فاللاعبون موجودون، لكن النتيجة لم تكن كما كانت الوعود.
على الورق يمتلك المدرب جمال بلماضي أسماء مميّزة في جميع المراكز


مع نهاية عام 2017 وبداية 2018، عاشت الجزائر ظروفاً سياسية استثنائية، وخرجت بعدها تظاهرات شعبية. (هذه التظاهرات لا تزال مستمرة للمطالبة برحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بو تفليقة). الظروف السياسية والاجتماعية التي تعيشها البلاد منذ ثلاث سنوات، ربما أثرت سلباً على الرياضة الجزائرية بصورة عامة، وكرة القدم بصورة خاصة. الحديث هنا يتركز على المنتخب الوطني الجزائري، لا على الأفراد واللاعبين الذين ينشطون في أهم وأبرز الدوريات الأوروبية. من الطبيعي أن تؤثر أزمة محليّة سلباً على الرياضات المحليّة في أي بلد، وهذا ما شاهده الجميع مع المنتخب العراقي، وقبله مع المنتخب الفلسطيني واللبناني، وغيرها من المنتخبات التي تعاني بلادها من مشاكل داخلية. لكن، لا يعتبر الشق السياسي هو الأساس أو الوحيد في المشاكل وعدم التوازن الذين يعاني منهما منتخب المدرب الحالي للجزائر جمال بلماضي. فنياً، السبب الأساسي في تراجع المنتخب الجزائري، منذ الأداء المميز في مونديال 2014 حتّى اليوم، هو التخبّط الكبير في إدارة المنتخب وما تتحدث عنه الصحافة الأفريقية من «فساد» في اتحاد كرة القدم الجزائرية، والذي أدّى إلى تغيير سبعة مدربين خلال 5 سنوات فقط، أي إن هناك ثمانية مدربين تبادلوا المراكز على مقاعد بدلاء المنتخب الجزائري، وهم كلّ من البوسني هاليلودزيتش، والفرنسي غوركوف، والجزائري نبيل نغيز، والصربي راجيفاك، والبلجيكي ليكنز، والإسباني لزكاس ألكاراز، والجزائريين رابح مادجر النجم السابق للمنتخب، والمدرب الحالي جمال بلماضي، منذ عام 2011.
الحالة النفسية السلبية التي مرّ بها أبناء «بلاد المليون شهيد»، وصلت بهم إلى أن يستعينوا بأبناء المنتخب وأساطير البلاد السابقين، على غرار المميّز رابح ماجر. تماماً كما حدث مع المنتخب الأرجنتيني في السنوات الماضية، عندما قرر الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم تعيين دييغو مارادونا مدرباً للمنتخب. في بطولة الـ«كاف» الحالية، والتي يتسلّم فيها زمام الأمور بالنسبة إلى الجزائريين المدرب جمال بلماضي، يوجد تحدّ كبير سيقف أمامه هذا الأخير. تحدّ يتمثّل في إيجاد تشكيلة جزائرية توازن بين المواهب والخبرات الموجودة داخل المنتخب. كذلك فإن الحالة الذهنية التي تعتبر العامل الأساس في نجاح أي فريق لكرة القدم وأي رياضة أخرى، يجب أن تكون في أعلى مستوياتها. لكن الأخبار الحالية لا تبشر خيراً بالنسبة إلى الجمهور. فأن يخرج المُعدّ البدني من الطاقم الطبي للمنتخب قبل ثلاثة أيّام فقط من بداية العرس الأفريقي، بعد اندلاع مشاجرة داخل المنتخب، بين أعضاء في الجهاز الفني، أمرٌ يطرح علامات استفهام كبيرة. أضف إلى ذلك استبعاد المدرب بلماضي للاعب هاريس بلقبلة من تشكيلة المنتخب المشاركة قبل أسبوع فقط على بداية الـ«كاف». كلها أخبار تصبّ في خانة واحدة، وهي أن المنتخب الجزائري سيدخل البطولة الأفريقية وهو مشتّت وغير جاهز على المستوى النفسي. غرفة الملابس ليست مستقرة، وهناك مشاكل بين اللاعبين أنفسهم، كما ان الخلافات في معسكر قطر الإعدادي جعلت المُعِدّ البدني خارج المنتخب.


فنياً، يمتلك المنتخب الجزائري لاعبين على مستوى عال جداً، على غرار بطل الدوري الإنكليزي مع مانشستر سيتي رياض محرز، ونجم بورتو البرتغالي ياسين براهيمي، ومهاجم السد القطري وأفضل لاعب جزائري الموسم الماضي بغداد بونجاح، ولاعب غلطا سراي التركي سفيان فغولي. المواهب الجزائرية لا تقتصر على الشق الهجومي فقط، ففي هذه التشكيلة الجزائرية مواهب على صعيد الخطوط الخلفية. على سبيل المثال، هناك قلب دفاع نادي ريال بيتيس الإسباني عيسى مندي، والظهير الأيمن لنادي نيس الفرنسي يوسف عطّال، والذي يعتبر من بين أفضل لاعبي الدوري الفرنسي الموسم المنصرم. على الورق، يمتلك المدرب بلماضي تشكيلة وأسماءً مميّزة، بإمكانه المضي قدُماً في كأس الأمم الأفريقية، إلاّ أن المشاكل الأخرى ستمثِّل عائقاً كبيراً ربما أمام تألّق هؤلاء النجوم الجزائريين في الملاعب الأوروبية. وتلعب الجزائر مباراتها الأولى في البطولة يوم غد الأحد، بمواجهة كينيا (الساعة 23:00 بتوقيت بيروت)