لا خلاف على أن أوروبا هي قارة الحضارة والثقافة والجمال، إلا أن بعض الظواهر المتكررة أثبتت أنها تتسم بالعنصرية أيضاً. وللأسف، أصبحت لعبة كرة القدم في «القارة العجوز» الطريقة الفضلى والأسهل لإظهار الوجه القبيح لأوروبا.
العنصرية هناك، التي غالباً ما عُدّت نوعاً من أنواع اﻷمراض أكثر منه معياراً للحداثة، ليست بقايا «ماضٍ لا يمضي»، أو من ماضٍ يعيش في اختفاء اﻷسباب التي أدت إلى ولادتها، بل إن النظام والتربية الاجتماعية لا يبتعدان عن السير على خطى أكثر أخلاقية.
ففي الأمس القريب، ذكرت الصحف الصربية أن الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم أدان الأجواء التي شهدتها مباراة منتخبهم أمام صربيا في إطار التصفيات المؤهلة لبطولة الأمم الأوروبية للشباب (تحت 21 عاماً) التي انتهت بفوز الأول 1-0، مشيراً إلى أن لاعبي إنكلترا «السمر» كانوا عرضة لصافرات استهجان ولمشاهد ومواجهات عنصرية، إحداها كان تعرّض اللاعب الإنكليزي داني روس خلال اللقاء للضرب والصفع لأنه «أسمر» البشرة!
«الفيفا» يحقق في الموضوع، والاتحاد الصربي اعتذر لنظيره الإنكليزي ورفض الاعتراف بتصرف الجمهور بعنصرية...
لكن هذا المشهد ليس غريباً؛ فالمشاكل العنصرية قد ظهرت سابقاً في أهم الفرق العالمية، حيث ألقت أحداث من هذا القبيل بظلالها على الدوري الإنكليزي الممتاز في الموسم الماضي عندما وجه قائد تشلسي جون تيري عبارات ذات طبيعة عنصرية للاعب كوينز بارك رينجرز أنطون فرديناند. إلا أن المفاجئ هذا الموسم، هو حصولها في ملاعب الجيل الأوروبي الصاعد. لذا، يجب معرفة أنه بعد نشوء هذه الظاهرة لدى الصغار وتطورها، أصبح النهج التربوي في النظام الاجتماعي موضع تساؤل.
الأوروبيون يعترفون بعيوبهم الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية وينشرونها في وسائل الإعلام المختلفة ويناقشونها في العلن ويحاولون معرفة أسبابها ومعالجتها بطرق عملية والحد منها؛ إذ ذكرت أخيراً صحيفة «ذا دايلي تليغراف» البريطانية أن نسبة العنصرية في بريطانيا تصل إلى ما يقارب 30% من البريطانيين ضد الأجانب، حيث اعترف ثلث عيّنة تمثل كافة البريطانيين أنهم عنصريون ولا يحبون الأجانب!
إلا أنه بعد هذه الحوادث المتكررة في الشارع الرياضي الأوروبي. ورغم المبادرات التي بذلها الفيفا للحدّ من هذه الصورة المتخلفة بإعلانه أنه سيضرب بقوة على أيدي كل العابثين من خلال الإيقاف اللاعبين لمباريات عدة ومعاقبة الأندية التي يتورط مشجعوها في تصرفات عنصرية بغرامة يصل حدّها الأدنى إلى 19 ألف يورو واللعب من دون جمهور في حال وجود انتهاكات كبرى، وصولاً إلى حسم النقاط أو الاستبعاد من البطولات. وهنا لم يتغير شيء، بل الصورة تعود وتظهر من جديد، كأنّ شيئاً لم يكن!
الواضح أن كل هذه المحاولات من «الفيفا» هي للبقاء والحفاظ على المعاني الجميلة التي تحملها كرة القدم. فشعار الاتحاد الدولي «Say No to Racism» دائماً ما لفت الأنظار حول المستطيل الأخضر، إلا أنه بقي شعاراً، والتجربة أثبتت أنه لم ينفع مع هذا العضال حلاً، لأنه متأصل في تلك الأراضي ومن الصعب أن يفارقها، فالظاهرة تستديم من خلال تجديد جلدها وإضافة رفوف جديدة في «أرشيفها».
العنصرية التي ظهرت في أوروبا خلال النصف اﻷول للقرن العشرين، تستمر وتزداد بقعتها في بعض المناطق. ومع أن الطابع العام «الظاهر» في أوروبا هو الطابع الرافض للعنصرية، إلا أن الاختباء خلف الصور الكروية الرائعة لن يطول طويلاً؛ فالعنصرية أكبر خطر يهدد أوروبا وكرتها.