البطل استحق التتويج. هذا العنوان العريض الذي يمكن الخروج به من كأس أوروبا 2012، التي استضافتها بولونيا واوكرانيا. بالفعل، كان المنتخب الإسباني جديراً باللقب الذي حققه، حيث لا يمكن ان يختلف اثنان على أن «الماتادور» كان الافضل والأروع والاكمل. وبرغم الانتقادات التي واجهت المنتخب الإسباني حتى ما قبل المباراة النهائية، باعتبار انه لم يقدم ما هو مأمول منه، باستثناء المباراة امام الضعيفة جمهورية ايرلندا، حيث كان حرص الإسبان زائداً في هذه المباريات، فإن المباراة النهائية امام ايطاليا جاءت لتظهر الوجه الحقيقي لـ «الماتادور».
وهنا، يمكن من خلال النهائي والعرض المذهل الذي قدمه فيه الاسبان تفهم عدم ظهورهم بهذا الوجه في المباريات السابقة، اذ ما يمكن تلمسه ان الاسبان كانوا يلعبون بفلسفة أن كل مباراة كأنها نهائي بحد ذاته، وهكذا كانوا يقطعون المرحلة تلو الأخرى حتى وصولهم الى المباراة النهائية الحقيقية. هنا، لم يعد أمام الإسبان شيء ليخفوه، فإما الخسارة او الفوز باللقب، ومن هذا المنطلق فإنهم فتحوا العنان لفنهم الذي سحر الكرة الأرضية قاطبة في ليلة اول من امس.
كما لا يمكن المرور على هذه البطولة دون التوقف عند حالة التلاحم التي بدت واضحة بين لاعبي برشلونة وريال مدريد، بعد المخاوف الكثيرة التي سبقت البطولة، حيث يعود الفضل الى المدرب القدير فيسنتي دل بوسكي، الذي عالج هذه النقطة بحرفية عالية.
ولا يخفى، انه اضافة الى اللقب، فإن منتخب اسبانيا حقق مكاسب اخرى مهمة لقادم التحديات، وعلى رأسها ايجاد البديل لكارليس بويول والمتمثل بسيرجيو راموس، الذي كان أحد نجوم البطولة، وفيما قد يرى البعض أن اقتراب النجم تشافي هرنانديز من انتهاء مسيرته قد يمثّل معضلة، الا ان ما يمكن قوله انه حتى في حال خروج تشافي من المنتخب، وان كان مؤثراً طبعاً، فإنه لن يكون كارثياً على المنتخب، وهذا الامر مرده الى الانسجام الكبير بين اللاعبين وإتقانهم الأسلوب نفسه، حتى إننا رأينا على سبيل المثال لاعباً كسيرجيو بوسكيتس يقوم بتمرير الكرات بهدوء وبطريقة فنية على غرار تشافي واندريس اينييستا.
هذا عن البطل، أما عن الوصيف، فيمكن دون تردد توجيه التحية لإيطاليا رغم خسارتها الفادحة امام اسبانيا في النهائي. فالطليان فاجأوا العالم بأسره بأسلوب لعبهم الهجومي، بعدما كان كثيرون يشعرون بالملل من أداء «الآزوري» الدفاعي البحت، بيد ان المدرب تشيزاري برانديللي نجح في فلسفته الهجومية، وفي تغيير ذهنية اللاعب الايطالي. وهنا لا يمكن سوى التوقف عند الدور الكبير الذي أدّاه اندريا بيرلو في إضفاء متعة على الاداء الايطالي. واذا كان البعض يعتبر ان ايطاليا ستتأثر عند اعتزال بيرلو المتقدم في السن، فإن ما هو واضح ان العزيمة الايطالية تبقى فيصلاً مهماً في رسم الصورة المستقبلية لـ «الآزوري».

ماذا عن باقي المنتخبات الكبرى؟


لا شك في أن الخيبة الأكبر تجرعتها المانيا بعد فشلها في الحصول على اول لقب منذ كأس اوروبا 1996، حيث كانت الآمال في البلاد كبيرة على تشكيلة المدرب يواكيم لوف، لكسر النحس الذي لازم الألمان في الأمتار الأخيرة في البطولات الكبرى. وهنا، يمكن التوقف عند العديد من النقاط التي أسهمت في خروج الالمان خالي الوفاض من هذه البطولة، ولعل أولاها لجوء لوف الى التبديلات الكثيرة للاعبين، وهذا الامر كان كافياً لضياع الانسجام بينهم، فما بدا واضحاً ان التشكيلة التي فازت على اليونان كان من الاجدى ان تبدأ اللقاء امام ايطاليا. أما النقطة الثانية، التي أثرت على الالمان، فهي الضعف في خط الدفاع، وعدم وجود انسجام بين شاغليه، وهذا الامر بدا واضحاً حتى قبل البطولة بأيام في المباراة الودية امام سويسرا، التي تلقت فيها الشباك الالمانية خمسة اهداف، إذ كيف يمكن لمنتخب يريد الفوز باللقب أن تتلقى شباكه 6 اهداف في خمس مباريات؟!
المشكلة في الدفاع الالماني ليست في الكفاءة بقدر ما هي ذهنية، اذ لا يختلف اثنان على قوة فيليب لام وصلابة ماتس هاملس وبدرجة اقل هولغر بادشتوبر وشجاعة جيروم بواتنغ.
في كل الأحوال، لا يجدر بنا النظر الى الجزء الفارغ من الكوب، إذ إن الالمان يمتلكون المنتخب الأصغر سناً في البطولة، وهم بلا شك بوجود لاعبين كمسعود اوزيل واندريه شورله وماركو رويس وطوني كروس وماريو غوتزه، الذي لم يأخذ فرصته إطلاقاً، قادرون على اعادة بلادهم الى منصات التتويج مستقبلاً، لكن بشرط العمل على تحصين الخطوط الخلفية لـ «الناسيونال مانشافت».
بالانتقال الى البرتغال، يمكن القول إن بطولتها كانت ناجحة بكافة المقاييس، وعلى كريستيانو رونالدو ورفاقه ان يكونوا مسرورين بالوصول الى المربع الذهبي وإحراج الاسبان. أضف الى ذلك، فإن منتخب «برازيل اوروبا» أثبت انه لا يقف على نجم واحد وهو رونالدو، رغم تأثيره، اذ إنه يمتلك تشكيلة متكاملة ينقصها فقط ايجاد مهاجم على طراز عالمي، وهي المشكلة التي دائماً ما واجهت البرتغاليين.
اما انكلترا، فإن البطولة جاءت لتؤكد مرة جديدة ان منتخبها ابعد ما يكون عن الارتقاء الى مصاف المنتخبات الكبرى، وهذا يعود بالدرجة الاولى الى فلسفة اللعب التي لم تتبدل، وشعارها القوة البدنية فقط لا غير، والإكثار من الكرات العرضية دون اللعب من العمق، مع اعتماد الكرات البينية والقصيرة. وهنا، يمكن الانكليز ان يأملوا خيراً مع قرب اعتزال العديد من نجومهم، اذ ثمة على دكة بدلائهم العديد من المواهب القادرة على تغيير الذهنية المتبعة.
فرنسا مرة جديدة تقع في دوامة مزاجية لاعبيها ومشاكلهم، إذ إنّ ما قدمته في المباريات الودية امام المنتخبات الكبرى كان يؤهلها للذهاب بعيداً في البطولة، لكن في كل الأحوال فإن مهمة مدربها الجديد لا بد أن تتركز على ايجاد حلول لهذه النقطة.
يبقى أن هولندا كانت «الحلقة الأضعف» بين المنتخبات الكبرى، إذ من غير المقبول لوصيف بطل العالم ان يظهر بهذا المظهر السيئ، ولعل خطوة استقالة المدرب بيرت فان مارفيك قد تعيد «البرتقالي» الى السكة الصحيحة.