الأوضاع في الشارع اللبناني ليست على أفضل ما يرام. لا اعلام على الشرفات ولا حتى على السيارات. بيروت وضواحيها لا تعيش أجواء كأس أوروبا، مسألة كانت حتى الأمس القريب غير مؤكدة، لكن مع انطلاق البطولة وبقاء الوضع على حاله بات واضحاً ان اللبنانيين كسروا التقاليد الكروية هذه السنة واداروا ظهرهم للكثير من العادات التي كانت تدهش زائري البلاد عند كل بطولة لكأس العالم او لكأس أوروبا.
المشهد القديم كان استثنائياً، اذ قبل اسابيع على انطلاق كل مونديال او «يورو» كانت رايات البلدان المشاركة تغزو الأبنية، وتتلوّن السيارات بألوانٍ مختلفة تدلّ على الهوية الكروية لسائقيها. هذا المشهد كان يثير استغراب الاجانب القادمين إلى لبنان حيث كانت غالبيتهم تظنّ ان كل المنازل هي عبارة عن سفارات للدول المختلفة. الا ان ما وصفناه لم نشهده هذا الصيف بشكلٍ مستغرب، اذ أبقت السيارات على الوانها الاصلية ولم ترفع اي علم، ومثلها الشرفات والشوارع التي خلت من ذاك الديكور الذي كان يغيّر من معالمها لفترة شهر كل اربعة اعوام مونديالية، ولأسابيع ثلاثة كل اربعة اعوام أوروبية.
واذ اعتقد البعض ان بيروت ستصحو على جلبة كروية قبل ساعات على انطلاق كأس اوروبا، فإن شيئاً لم يتغيّر حتى يبدو وكأن كثيرين من اولئك المشجعين الموسميين لكرة القدم اي الذين يتابعون اخبار اللعبة الشعبية الاولى في العالم مرة كل سنتين او اربع سنوات، لم يعرفوا حتى الآن بموعد ثاني اهم بطولة، لذا كان من الطبيعي ان تموت «الموضة» التي كانت تجذب الجميع وتجعلهم يتبارون حول الزينة الافضل لمنازلهم وسياراتهم وحتى ملابسهم.
البحث عن أسباب تغيّر مزاج الشارع اللبناني يبدو أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش، لكن معطيات من الحياة اليومية قد تعطي فكرة حول ما أفرز هذا المشهد غير المألوف.
النقطة الاولى ترتبط بالموضة الكروية الجديدة التي اتبعها المشجعون اللبنانيون أخيراً، فهؤلاء انجرفوا وراء الحملة الداعية الى مؤازرة منتخب لبنان في مشواره ضمن تصفيات مونديال 2014، ولهذا السبب لمسنا في المباراة امام قطر الاحد الماضي ان قسماً كبيراً من المشجعين جلسوا صامتين في مدرجات مدينة كميل شمعون الرياضية، وبدوا لوهلة وكأنهم جمهور مباراة رياضة كرة المضرب وليس كرة القدم. ويترجم هذه المقولة الطالب الجامعي جورج حداد الذي اضاع ورفاقه مدخل الملعب الذي لم يزوروه سابقاً بل جاءوا مثل مئات آخرين بعدما شعروا انه من واجبهم تشجيع المنتخب. وعند سؤاله عن هوية العلم الذي سيرفعه في كأس اوروبا، يأتي الجواب: «لم يعد لدينا نقص كروي، اذ هناك منتخب لبناني جيّد، وأصلاً اذا تأهلنا الى المونديال لن ترفع المانيا او ايطاليا علمنا، لذا لماذا نرفع نحن رايتها؟».
أما سامي مطر الواقف الى جانبه، فأوعز عدم ركوبه موجة الحماسة لكأس اوروبا بسبب تفضيله السهر فيقول: «فصل الصيف قصير وعلينا ان نستفيد من الأمسيات». كلامٌ يدل على تبدّل نمط الحياة كثيراً عند شريحة كبيرة من الجيل الصاعد الذين يفضّلون قضاء الليل في احدى الحانات على الجلوس في المنزل او المقهى لمتابعة مباريات رياضية.
وبالحديث عن المقاهي، يمكن اعتبار أن هذه الاخيرة هي الوحيدة التي التزمت بالتقاليد المتبعة، اذ تزيّنت بالأعلام بهدف جذب المزيد من الزبائن. وهذه المقاهي وفّرت وحدها سوق البيع بالنسبة الى تجار الاعلام الذين لم يتوفّقوا بالموسم هذه المرّة، وهو ما يؤكده احدهم من منطقة سد البوشرية الذي لم يصرّف ربع البضاعة المعروضة حتى الآن. اما متجر «ريما ميوزيك» في حارة حريك، فيقول احد العاملين فيه عبد الغني عثمان بأن الوضع جيّد «لكن ليس بحجم المونديال». واضاف: «اكثر الاعلام مبيعاً هي الصغيرة التي يأخذها المشجعون معهم الى المقاهي وليس تلك التي تعلّق على الشرفات». لكن أبو طوني، وهو تاجر قديم في منطقة الجديدة يختصر الوضع كلّه لهذا الصيف، اذ لم يعرض «البسطة» هذه السنة، وعن السبب يقول بحسرة: «ما في شي، العالم نسيوا الفوتبول، ناطر موسم الانتخابات تعوّض هالخيبة».