تؤدي المتاحف دوراً مهماً في حياة الشعوب؛ إذ تحوّلت بمرور الزمن إلى أماكن لصناعة الثقافة وترسيخ الهوية. وبما أن كرة القدم أسهمت في بناء هوية بعض الشعوب، أصبحت اللعبة جزءاً من ثقافتهم لتدخل كرة القدم عالم المتاحف؛ إذ وثقت تسلسل تطور اللعبة التي أنتجت وفق ظروف اقتصادية وجغرافية مغايرة عن الواقع الحالي، وأصبحت من أهم أمكنة حفظ التراث الرياضي.
وتضم هذه المتاحف المئات من الصور واللوحات والمقالات الصحافية والأفلام والكؤوس والأرقام القياسية في تاريخ كرة القدم.
ففي البرازيل، افتتح أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه عام 2008 متحفاً كروياً في ساو باولو. وشكّل هذا المتحف معلماً فنياً مميزاً يضم 15 قاعة عرضٍ مختلفة تستحضر تاريخ كرة القدم البرازيلية في شقيها الاجتماعي والثقافي. ويعرض المتحف إنجازات النجوم واللحظات الخالدة للأندية البرازيلية والمنتخب الوطني. وفي المتحف شاشة كبيرة يظهر عليها بيليه، وهو يرحب بالزوار ويدعوهم إلى رحلة كروية طويلة عبر برازيل القرن العشرين. وتعرض الشاشة إنجازات 25 من نجوم اللعبة ممن طبعوا تاريخ كرة القدم البرازيلية، أمثال ماريو زاغالو وريفيلينو وكارلوس ألبرتو وسقراطيس وزيكو ورونالدو وغيرهم.
وتعرض هذه القاعة أرقاماً قياسية مثل أهداف بيليه والرقم القياسي للاعبين المطرودين خلال مباراة واحدة، الذي وصل إلى 22 لاعباً. وتعرض أيضاً اللحظات الصعبة والمحزنة للجمهور البرازيلي بعد خسارة منتخبه في نهائي مونديال 1950 أمام الأوروغواي 2-1، وتلخّص في ما يقارب دقيقتين من خلال شريط يعرض في قاعة مظلمة ترافقه أصوات دقات القلب، في استحضار واضح لأجواء الحزن والترقب التي رافقت الحدث: «هذه الكأس كانت لنا... أكبر ملعب في العالم شيّد من أجل هذا الفوز، هدف مقابل هدفين للأوروغواي، سكت قلب البرازيل».
في المقابل، تتفاخر الأوروغواي كثيراً وعن جدارة بالإنجازات التي حققتها. ويبرز ذلك في متحفها «ميوزيو دل فوتبول» الذي يضم مئات من المعروضات التي توضح اللحظات الأعظم في تاريخ كرة القدم في الأوروغواي. وتعرض أيضاً الميداليات الذهبية التي حصدتها خلال دورتي الألعاب الأولمبية في باريس عام 1924 وأمستردام عام 1928. وفي المتحف يعرض أيضاً في صندوق زجاجي القميص غير المغسول ذي اللون الأزرق الفاتح الخاص بهداف الأوروغواي على مدار التاريخ وبطلها القومي هكتور سكاروني (1898ــ1967)، وتظهر آثار طمي الملعب على القميص!
أما في أوروبا، وعلى صعيد الأندية، فيضم ملعب ريال مدريد «سانتياغو بيرنابيو» متحفاً يعرض تراث النادي العريق، والإنجازات العملاقة التي حققها، وهو يتمتع بإقبال كبير من جانب السيّاح، حيث تشير التقديرات إلى تسجيل أكثر من 700 ألف زيارة سنوية لهذا المتحف خلال الأعوام القليلة الماضية.
إلا أن غريم «النادي الأبيض» برشلونة، يملك من جانبه متحفاً يضم معروضات تتناول تراث النادي وألمع نجومه، وقد زاره ما يقارب مليوناً و303 آلاف و738 زائراً.
أما في إنكلترا، فهناك «المتحف الوطني لكرة القدم» في مانشستر، الذي يعرض تطوّر هذه الرياضة على الصعيد العالمي، والمراحل التاريخية التي مرّت بها، وصولاً إلى ما هي عليه الآن. ويحوي المعرض عدداً من الكرات الأصلية التي كانت حاضرة في كأس العالم 1930 والتي أقيمت عامذاك في الأوروغواي، إضافة إلى القميص الذي ارتداه النجم الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا في مباراته الأسطورية ضد المنتخب الإنكليزي في كأس العالم سنة 1986. ويحتضن المتحف تمثالاً من الرخام صنعه الفنان الإسباني بابلو بيكاسو على هيئة لاعب كرة قدم.
كذلك، يبرز في إنكلترا متحف «مدام توسو» للشمع. وهو متحف يضم في داخله تماثيل مصنوعة من مادة الشمع لمشاهير وأساطير خالدة من كل بقاع الأرض من سياسيين ورياضيين وعلماء وممثلين وفنانين وزعماء وملوك. أما تماثيل النجوم، فهي لبيليه والألماني فرانتس بكنباور قديماً والأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو حديثاً.
وفي إيطاليا، البلد الذي يصعب إحصاء عدد المتاحف والمعارض فيه، يبرز متحف «سان سيرو» المتحف الوحيد بإيطاليا الموجود داخل بناء الملعب، وكان نتاج عملية جمع خاصة لكل الذكريات والوثائق المتعلقة بناديي ميلان وإنتر ميلانو من قمصان تاريخية للاعبين أمثال جياني ريفيرا والهولندي يوهان كرويف ومارادونا، إلى كؤوس وكرات و24 تمثالاً بحجم طبيعي لكل من والتر زينغا ولوثار ماتيوس وباولو مالديني وكريستيان فييري وخافيير زانيتي.
وبما أن كرة القدم جزء من تاريخ مدينة زيورخ السويسرية، ولا يمكن النظر إلى هذه الرياضة بشكل مُنعزل هناك؛ لأنه كان هناك دائماً ارتباط لها بثقافة الشباب وحركاتهم. وبعد متاحف كل من نادي أف سي بازل ونادي يونغ بويز، افتتح مالك نادي أف سي زيوريخ متحفه الخاص، الذي يستذكر من خلاله تاريخ مسيرة رياضية تعود إلى 115 عاماً مَضت. ويعكس المتحف، الذي لا يقتصر على جمهور المشجعين فقط، قصة نادٍ ومدينة وتطورات رياضية، بكل ما تحمله من نجاحات وإخفاقات.
ويتميز متحف زيوريخ بأنه أكثر من مجرد متحف تقليدي، إنه المتحف الأول لكرة القدم في سويسرا، الذي يوظّف فكرة إيجاد فضاء للتلاقي بين زائري المتحف والمعروضات، حيث يُسمح بالاطلاع على المعروضات، ليس من خلال زجاجات خزائن العرض، بل على العكس؛ إذ يُمكن لمس معظم الأغراض الموجودة، ولا توجد سوى معروضات قليلة جداً داخل الخزائن.
هذه المتاحف أقيمت لتطوير الوعي التاريخي الكروي ومساهمة في التعرف إلى ذلك التاريخ الكبير للذين صنعوا وما زالوا يصنعون أجمل اللحظات الكروية.



أقدم متحف كروي في العالم

تضم اسكوتلندا أقدم متحف في العالم، في مدينة غلاسكو، حيث يحوي أكثر من ألفي قطعة، منها على سبيل المثال بطاقة الدخول إلى المباراة الرسمية الأولى في التاريخ بين اسكوتلندا وانكلترا عام 1872، إضافة الى أقدم كأس في العالم، وهي كأس اسكوتلندا التي انطلقت لأول مرة عام 1873.