أعادت المواجهة التي شاهدناها بين جون جونز وسيريل غان، التأكيد على درس مهم ليس في الرياضة وحسب، بل في كل نواحي الحياة، وهو أن الموهبة وحدها لا تكفي إن لم تقترن بالاجتهاد والعمل الجاد. قبل النزال وبعده، رأينا نقيضين على المستوى الذهني للعبة. جونز، البطل السابق لفئة الوزن الثقيل الخفيف والذي يملك في جعبته 14 دفاعاً ناجحاً عن اللقب، بدا خلال مقابلاته الإعلامية، مركزاً على هدف واحد. توعّد يوم أمس قائلاً، «سأجعل الأمر يبدو سهلاً»، عندما سئل عن نتيجة النزال. علامات استفهام كثيرة كانت تحوم حول جونز قبل المواجهة: هل سيؤثر الوزن الزائد على أدائه؟ هل سيعاني من ما يُعرف بـ«صدأ الحلبة» أو (Ring rust)، لكونه ابتعد لفترة طويلة عن المنافسة (3 سنوات)؟ هل سيتمكن من العودة إلى مستواه السابق، خصوصاً بعد أدائه الباهت في آخر ثلاث نزالات له؟ كانت هذه أسئلة مطروحة، بقي بعضها من دون إجابة نظراً لقصر وقت النزال.
بدأ النزال بضغط من جونز، محاولاً دفع غان باتجاه القفص، حتى يجعل من مهمة إسقاطه أرضاً لاحقاً أسهل. خلال الدقيقة الأولى، نجح غان في إبقاء مسافة آمنة بينه وبين جونز. لكن في الدقيقة الثانية، رمى غان لكمة يمنى لم تُصب هدفها، فانكشف وسط جسم الفرنسي لجونز الذي سارع إلى الإمساك به وإسقاطه أرضاً بسهولة كبيرة ومن دون مقاومة تُذكر. بعد ثوانٍ، استطاع جونز سحب غان حتى حدود القفص، حيث استعان بمهاراته في المصارعة والجوجيتسو لكي يضع نفسه فوقه، قبل أن يتمكن من لفّ ذراعه حول عنق الفرنسي ويضغط بكل ما أوتي من قوة، حتى أجبره على الاستسلام!
دقيقتان لا غير، 121 ثانية، هي كل ما احتاجه جونز لكي يفوز، وليضع نفسه في موقع الصدارة في النقاش الأزلي حول «الأفضل في التاريخ».



في مقابل جونز، ترك أداء غان انطباعاً سلبياً جداً لدى كل متابعي رياضة الفنون القتالية المختلطة، الذين كانوا يمنّون نفسهم بمشاهدة نزال حماسي ومتقارب. لاعب المواي تاي السابق، وعلى عكس جونز، بدا خلال الأسبوع الذي سبق النزال كالطفل غير المدرك لأهمية الحدث المحيط به. تصرفاته لم تعطِ انطباعاً بأنه حاضر ذهنياً ليكون البطل. الفرنسي أقرّ قبل بضعة أيام أنه «كسول في التمرين»، لا يتدرب إلا حين يتم الإعلان عن نزال قادم له، كما أنه تباهى بأنه عضو في أحد أقوى فرق كرة القدم على «البلايستايشن»، وظهر في أحد الفيديوات الترويجية لـ«UFC» وهو يلعب «FIFA». مثل هذه التصريحات والتصرفات لا يمكن أن تصدر عن مقاتل يجهّز نفسه للفوز بحزام «UFC» للوزن الثقيل، وخصوصاً ليس إن كان خصمه هو جون جونز.

الطرف الآخر الذي يتحمل مسؤولية الهزيمة إلى جانب سيريل غان، هو مدربه فرناند لوبيز. برز لوبيز على الساحة قبل بضعة أعوام، عندما سطع نجم البطل السابق، الكاميروني فرانسيس نغانو. لوبيز، صاحب نادي «MMA Factory»، كان مدرباً لنغانو في فرنسا، لكن الاثنين انفصلا بعد هزيمة الأخير ضد ستيبي ميوسيتش في العام 2018. في ذلك النزال الأول الذي جمع بين نغانو وميوسيتش من أجل لقب الوزن الثقيل، ظهرت عيوب الكاميروني وبانت نقاط ضعفه. على إثرها، انتقل نغانو إلى مراكز تدريب أخرى في الولايات المتحدة وحسّن من مستواه، حتى واجه ميوسيتش مرة أخرى من أجل اللقب وهزمه، مظهراً تحسناً كبيراً في المستوى.
على الرغم من كونه مدرب الفنون القتالية المختلطة الأشهر على صعيد فرنسا، إلا أن مقاتليه غالباً ما يخرجون خالي الوفاض في اللحظات الهامة وضد خصوم أقوياء تكتيكياً.
السهولة الكبيرة التي نجح فيها جونز في إسقاط غان أرضاً بعد دقيقة واحدة فقط من بدء النزال، طرحت أكثر من سؤال عن جودة التحضير لهذه المواجهة. فالكل كان يعلم أن المصارعة هي نقطة قوة جونز، وأنه سيلجأ للإسقاطات من أجل الفوز بالنزال. والجميع يدرك أن مقاتلاً من طراز جونز سينجح عاجلاً أم آجلاً خلال النزال في إسقاط خصمه، لكن السرعة والسهولة التي تم بها الأمر جعلت الكل يتساءل عما كان يفعله غان أثناء التحضير.

أصبح في رصيد غان الآن هزيمتان في نزالين من أجل لقب الوزن الثقيل، الأولى ضد نغانو العام الفائت، والثانية أمام جونز صباح اليوم. وإن كان يطمح للفوز بالفرصة الثالثة -إن حصل عليها- فعليه أن يفكر ملياً في طاقم فريق التدريب الخاص به، وقد يكون عليه أن يحذو حذو نغانو بالخروج من فريق لوبيز.
لعلّ أفضل اختصار لما جرى اليوم هي جملة قالها جونز، الذي استشرف المستقبل قبل بضعة أيام عندما قال: «هم (غان وبقية منافسيه) لا يهمهم إن فازوا أم خسروا، هم سعداء لمجرد كونهم هنا»، وقد تبيّن كم كان محقاً عندما ظهر غان وهو يتجول مبتسماً خلف الكواليس بعد هزيمته.