على وقع الأزمات المتلاحقة تسلّمت الإدارة الحالية لنادي الحكمة الدفّة، محاولةً تذويب المشكلات وهي في الأساس مالية في ظل تراكم الديون التي أثقلت كاهل النادي وحوّلته من فريقٍ منافسٍ دائمٍ على الألقاب إلى آخرٍ عادي في بطولة لبنان لكرة السلة.مشكلات تمّ التخلّص من بعضها وبقي بعضها الآخر معرقلاً لمسيرة النادي وتطوّر فريقه السلوي، لكن في موازاة الأزمة كانت ولادة «فريقٍ بطل» هذا الموسم بعدما قلب كل التوقعات ووجد نفسه بين الأوائل على لائحة الترتيب العام، لا بل إنه تصدّر الجدول في فترةٍ من الفترات.
يكفي النظر إلى التشكيلة الحكموية قبل أشهرٍ قليلة لعدم توقّع حدوث هذا الأمر، وخصوصاً أن الفريق يضمّ مجموعةً من الأسماء اليافعة التي تسعى جاهدةً منذ الموسم الماضي لوضع اسمها بين نجوم اللعبة. أضف أن منافسي الحكمة الأساسيين دخلوا البطولة بميزانياتٍ ضخمة مقارنةً بما صرفه نادي منطقة الأشرفية لتكوين فريقه، فذهبت التوقعات إلى وضع الحكمة خارج ترشيحات الفرق المؤهلة لبلوغ «الفاينال فور» وهي عملياً الرياضي حامل اللقب، دينامو، بيروت والشانفيل.
لكن كل هذه التوقعات سقطت، فأظهر الفريق بوادر إيجابية منذ خسارته أمام بيروت بفارق سلةٍ واحدة فقط في المرحلة السابعة من عمر البطولة، قبل أن يحقق في المرحلة التي تلتها فوزاً كبيراً على الشانفيل بفارق 30 نقطة، وبعدها مباشرةً على الرياضي، ومن ثم على دينامو (بطل مرحلة الذهاب) قبل أقل من أسبوعين.

فريقٌ بشخصية قوية
صحيحٌ أن الفريق سقط أمام بيروت وبفارقٍ كبير في غزير في نهاية الأسبوع الماضي، لكن الحضور الغفير في مدرجات ملعبه عكس إيماناً بأن الحكمة يستطيع الذهاب إلى أبعد ممّا كان متوقّعاً له، وحتى أكثر ممّا توقّعه الفريق لنفسه، وهي مسألة تمحو معها كل السلبيات التي أُخذ النادي قسراً إليها.
إذاً وفي موازاة المشكلة القديمة - الجديدة التي ستحرم الفريق من التعاقد مع لاعبٍ أجنبي، تحوّلت هذه العثرة إلى نقطة إيجابية من الناحية النفسية مع تحدي اللاعبين الشبان لأنفسهم ولخصومهم لإثبات بأنهم يمكنهم الارتقاء إلى مستوى المنافسة، وهو ما حصل لأسبابٍ فنية محدّدة تبدأ من الاستمرارية على اعتبار أن معظم اللاعبين تواجدوا سويّاً في الموسم الماضي، وذلك بإشراف نفس الجهاز الفني الذي يقودهم خلال الموسم الحالي.
هذا يعني أن نظام اللعب الذي عمل عليه المدرب جو غطاس ومساعدوه لا يزال نفسه وتطوّر من خلال اعتياد اللاعبين عليه، فاكتملت شخصية الفريق وأصبحت أكثر قوة. وهنا الكلام عن معرفة كل لاعب لدوره، وهي مسألةٌ لا يمكن إيجادها عند بعض الفرق المنافسة مباشرةً للحكمة، الذي بدا أحد أقوى الفرق دفاعياً، فلا ضرورة ليسجّل اللاعب عدداً كبيراً من النقاط ليكون بارزاً في المباراة بل من خلال التنفيذ الدقيق للعمل الموكل إليه، إذ على سبيل المثال لا الحصر لم يكن دور جونيور بيروتي مؤثّراً هجومياً في تلك المواجهة الصعبة أمام دينامو، لكن العمل الذي قام به في الدفاع حتى على علي حيدر كان لافتاً جداً.

نقاط قوة عدّة
كل هذا مردّه إلى التحضير الجيّد لكل مباراة، وطبعاً إلى العمل الدقيق لدراسة الخصم، وهي المهمة التي يضطلع بها «الكشّاف» جاد مبارك، لينقلها إلى غطاس، وهو المدرب الشاب الذي تعلّم بسرعة وعكس شخصيته المقاتلة أيام كان لاعباً في أداء لاعبيه، وقد ساعده لتحقيق مبتغاه كثرة الشبان القادرين على إرهاق الخصوم من خلال الجري المتواصل والمترافق مع الروح القتالية دفاعاً، إلى جانب إظهار إمكانات هجومية قابلة للتطوّر أكثر مع نضوج بعض المواهب واكتسابها خبرة اللعب بشكلٍ أكبر.
دور المدرب مهم جداً في هذه الحالة لأن اللاعبين اليافعين بحاجةٍ إلى التوجيه لتنفيذ أفكارهم وترجمة أدوارهم بشكلٍ صحيح، فيما تكون عملية تطوير الفريق عامةً من خلال توجيه المجموعة نحو نقاط القوة التي تتمثّل في اللاعبين الذين يملكون خبرةً أكبر في الدرجة الأولى أمثال صانع الألعاب المتألق علي مزهر.
وهنا يُحسب لغطاس التعاقدات الذكية التي أقدم عليها في ظل الميزانية المحدودة، فكان تقديم كريستوف خليل ومارك خويري ورودي الحاج موسى كمواهب ستكون بلا شك هدفاً لأبرز الأندية، إذ برزوا غالباً حتى في المباريات التي خسرها الفريق ومنها المباراة الأخيرة أمام بيروت. وتضاف إلى نقاط القوة مسألة الانضباط الحاضرة في التمارين والمباريات، وذلك بفعل منح الجهاز الفني صلاحيات مطلقة.
بطبيعة الحال، تفرض الواقعية عدم التفكير بفوز الحكمة ببطولة لبنان هذا الموسم، لكن الهدف الأساس المفترض العمل عليه هو الحفاظ على كيان هذا الفريق والبناء عليه من خلال إبعاد مطامع الفرق الأخرى عن نجومه الشبان، إلى جانب إضافة لاعبيْن أو ثلاثة من الصف الأول إليه، يمكنهم حتماً أن يعيدوا الأمجاد إلى «الأخضر»، الذي يكفيه وفاء جمهوره.


مقترحات حكمويّة للصمود والاستمرار
تقدّمت اللجنة الإدارية لنادي الحكمة بمقترحات إلى الاتحاد اللبناني لكرة السلة، تهدف من خلالها بحسب كتابها الرسمي إلى تعزيز صمود اللعبة وأنديتها واتحادها في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
ولحظت المقترحات اعتماد صيغة مناسبة لكل الفرق يكون فيها سقف الصرف على العقود للاعبين والجهاز الفني حصراً ابتداءً من 100 ألف دولار كحدّ أدنى وصولاً إلى 300 ألف دولار كحدّ أقصى في الموسم الواحد، على أن تُسجّل كل العقود لدى الاتحاد لتفادي التلاعب بقيمتها. وعلى هامش هذا المقترح، طلب الحكمة تنزيل النادي المخالف درجة أدنى وتوقيف كل لاعب يثبت توقيعه مع ناديه أي عقد غير العقد المسجّل لدى الاتحاد، وهو ما سيحمي الأندية من تراكم الديون. كما أشار الحكمة إلى أن إقرار هذا البند يساعد المستثمرين الذين يرغبون بالدخول إلى اللعبة على معرفة سقف قيمة المبالغ التي عليهم دفعها في أي نادٍ يريدون دعمه.
وطالبت الإدارة الحكموية بعدم إلغاء لائحة النخبة وحصرها بـ 24 لاعباً بناءً على معايير علمية واضحة تُوزّع على النوادي قبل اعتمادها، على أن يحق لكل نادٍ الاستعانة بثلاثة لاعبين كحدّ أقصى «وهو ما سيوزع لاعبي النخبة على فرقٍ أكثر ويفتح باب المنافسة بشكلٍ أكبر، ويمنع سيطرة عنصر المال على اللعبة».
ولحظت المقترحات طلب إعادة نظام البطولة إلى مرحلتَي ذهاب وإياب ثم «فاينال 8» و«فاينال 6» و«فاينال 4»، «وذلك لتحفيز الفرق على اللعب بأقصى قدراتها وإبقائها في جو المنافسة حتى آخر مرحلة من الدوري وهو ما يؤدي إلى تعزيز المنافسة وارتفاع مستوى الفرق واللاعبين وجذب الجمهور إلى حضور المباريات وعدم انتهائها بفوارق كبيرة».
وبرزت أيضاً المطالبة بخوض الموسم المقبل من دون لاعبين أجانب، «على أن تتم الاستعانة بلاعبٍ أجنبي واحد في الموسم الذي يليه إذا سمحت الظروف المالية في البلاد».
وأُرفقت هذه المقترحات بآخر يلحظ توزيع مداخيل المباريات من ثمن بطاقات الجمهور وتوزيع مبالغ بدل النقل التلفزيوني وفق معايير فنية وتقنية وأخرى خاصة بنسب مشاهدة كل فريق.