لم يكن القرار الذي اتخذه الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» بإيقاف الرياضة الروسية غريباً، فلطالما كان هذا الاتحاد موظفاً عند اتحادات الدول الغربية وسياسيّيها الذين يملون عليه ما يجب أن يتبنى وما يجب أن يرفض. الفيفا ومنذ سنوات طويلة يدعم أندية الاستيطان في فلسطين المحتلة، ويحاول الضغط على الاتحادات والمنتخبات الأفريقية تلبية لرغبات الأندية الأوروبية ومدرّبيها. اليوم فصل جديد من سياسة «الكيل بمكيالين» للفيفا الذي يدين الحرب في أوكرانيا بحسب وصفه ويتغاضى عن جرائم الاحتلال الصهيوني وغيرها من الجرائم الأميركية والغربية في غير دولة حول العالم
كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أول من طالب بوقف النشاط الرياضي في روسيا، معتبراً في كلمة له الأسبوع الماضي أنه لا يحق لروسيا استضافة أي مباريات رياضيّة بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء العمليّة العسكريّة في أوكرانيا. كان لافتاً أن يتحدث جونسون في الأمور الرياضيّة، في وقت انتظر منه كثيرون محاولة إيجاد حل للأزمة الحاصلة. ولكن ما هي إلا ساعات قليلة حتى تبيّن هدف جونسون، وهو دفع الدول الأوروبية ومن خلفها الاتحادات المحلية والقارية لتبنّي ما قاله، وفرض ما بات يُعرف بالعقوبات الرياضية على روسيا بهدف تكبيدها خسائر اقتصادية وعقود الرعاية التي تُقدّر بملايين الدولارات.
دعوة جونسون تلقّتها اتحادات تشيكيا وبولندا والسويد التي رفضت مواجهة روسيا في الملحق الأوروبي المؤهل إلى نهائيات كأس العالم في كرة القدم. وتبعت هذه الاتحادات اللجنة الأولمبية الدولية التي طالبت بوقف نشاط روسيا، ثم جاء القرار الأخير من الاتحادين الدولي «فيفا» والأوروبي «يويفا» بوقف نشاط المنتخبات والأندية الروسية وبالتالي ستغيب روسيا عن مونديال قطر 2022 بعد أن استضافت البطولة العالمية عام 2018، كما تغيب أنديتها عن دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي.
وانتقدت روسيا قرارات «فيفا» و«ويفا» لكرة القدم واصفة إياها بـ«التمييزية». وقال الاتحاد الروسي لكرة القدم في بيان إن القرارات «ذات طابع تمييزي واضح، وتضر بعدد كبير من الرياضيين والمدربين وموظفي الأندية والمنتخبات الوطنية، والأهم من ذلك، بالملايين من المشجّعين الروس والأجانب الذين يجب أن تحمي المنظمات الرياضية الدولية مصالحهم في المقام الأول».
يتجاهل الاتحاد الدولي لكرة القدم المجازر التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة


ويبدو واضحاً أن الاتحاد الدولي «فيفا» يعتمد سياسة الكيل بمكيالين ويعارض قراراته السابقة التي تدعو إلى عدم إقحام الرياضة في السياسة. وكان الاتحاد الدولي قد عاقب سابقاً نجم كرة القدم المصرية محمد أبو تريكة في عام 2008 لدعمه الشعب الفلسطيني ضد العدوان الصهيوني على قطاع غزة في إحدى المباريات. وفي عام 2009، عاقب الاتحاد الإسباني لكرة القدم اللاعب المالي فريدريك عمر كانوتيه عندما كان يلعب لنادي إشبيلية، بعدما كشف عن قميص يرتديه كُتبت عليه كلمة «فلسطين» دعماً للشعب الفلسطيني. ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد حيث عوقب العديد من الرياضيين العرب بالإيقاف مدى الحياة بسبب رفضهم مواجهة لاعبين من الكيان الصهيوني خلال البطولات الدولية أو الأولمبياد. وعاقب «فيفا» أيضاً عام 2018 لاعبي المنتخب السويسري لكرة القدم شيردان شاكيري وغرانيت تشاكا، بسبب ما اعتبره الاتحاد الدولي «احتفالاً سياسياً» بعد تسجيل هدف في مرمى صربيا.
وخرجت خلال الساعات الماضية تساؤلات كثيرة حول عدم وقف الاتحاد الدولي لكرة القدم النشاط الرياضي لأميركا وبريطانيا بعد غزوهما العراق عام 2003 وارتكاب مجازر بحق المدنيين. كما لم يوقف «فيفا» دعمه لكرة القدم في الكيان الصهيوني، ولم يمنع منتخبات الكيان وأنديته من المشاركات الخارجية، رغم المجازر التي ارتُكبت بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني على مدى سنوات طويلة، وهي مستمرة حتى اليوم وسط صمت كامل. ويتجاهل الاتحاد الدولي المجازر التي ارتُكبت في أفغانستان وتلك التي تُرتكب في اليمن وغيرها العديد من الدول في أفريقيا، ولا يعاقب الدول المسؤولة عن هذه الانتهاكات سواء أكانت فرنسا أم بريطانيا أم أميركا ولا حتى السعودية والإمارات...
الواضح أن قرارات الاتحادين الدولي والأوروبي لكرة القدم هي سياسية بامتياز، وتنسجم مع سياسة الدول الغربية التي تنصّب نفسها قاضياً على العالم، فتدعم قضية وتدين أخرى من غير أيّ وجه حق.



أبو تريكة والبلوشي يردّان


في وقت سكت العالم عن ازدواجيّة المعايير التي يعتمدها الاتحاد الدولي لكرة القدم، خرج نجم كرة القدم المصرية محمد أبو تريكة لينتقد قرار الفيفا. وفي تغريدة له على تويتر قال النجم المصري: «قرار منع الأندية الروسية والمنتخبات من المشاركة في كلّ البطولات لازم يكون معه منع مشاركة الأندية والمنتخبات التابعة للكيان الصهيوني لأنه محتل ويقتل الأطفال والنساء في فلسطين منذ سنتين ولكنكم تكيلون بمكيالين».
من جهته قال المعلّق الرياضي خليل البلوشي: «يا لها من سياسة قذرة لعالم غير سويّ ويكيل بمكيالين، في الوقت الذي كان الاحتلال يرتكب المجازر بحق أهلنا في فلسطين ويقصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها، كانوا يقولون لنا: لا تخلطوا السياسة بالرياضة. لكن بان زيفكم وحقيقتكم المعروفة للجميع ولكن الآن فوق الطاولة وليس تحتها، تباً لكم».


سياسة دعم الاحتلال


منذ سنوات طويلة يتجاهل الاتحاد الدولي لكرة القدم توصيات دوليّة من منظمات لحقوق الإنسان بينها «هيومن رايتس ووتش» توثّق الانتهاكات الصهيونية بحق الفلسطينيين، خاصة أندية المستوطنات التي تبني ملاعبها على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة. ورعاية الاتحاد الصهيوني لكرة القدم للمباريات في مناطق الضفة على الأراضي الاستيطانيّة تُعتبر مخالفة للقانون الدولي، إذ لا يحق لدولة القيام بنشاط رياضي على أرض محتلّة من دولة أخرى. وتطالب «هيومن رايتس ووتش» الاتحاد الدولي لكرة القدم بحماية حقوق الإنسان، والضغط على اتّحاد الكيان الصهيوني لإجبار أندية المستوطنات على نقل نشاطها. وفي عام 2018 رفض «فيفا» فرض أيّ عقوبات على ستة أندية صهيونيّة تلعب بدعم من اتحاد كيان الاحتلال، وتغاضى «فيفا» بهذا القرار عن ثلاث توصيات رفعتها لجنة دوليّة عَمِلَت لأكثر من سنتين على الملف، وطالبت حينها هذه اللجنة بمعاقبة الأندية التي تلعب على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 على اعتبار أنّ هذا الأمر مخالف للقانون. وتَقَع هذه الأندية في مستوطنات «معاليه أدوميم» - «أرييل» - «كريات أربع» - «جبعات زئيف» - «آرفوت هياردين» والمعروفة بـ«وادي الأردن».
كما أن واحدة من المخالفات الكبيرة للاتحاد الدولي هي تغاضيه منذ بداية التسعينيّات على انضمام الاتحاد الصهيوني إلى أوروبا. ولا يزال منذ ذلك الوقت منتخب كرة القدم الصهيوني ومنتخبات الأندية تشارك بانتظام في الدوريات الأوروبية وتصفيات بطولة أوروبا والعالم مع القارة العجوز، رغم أن الكيان لا ينتمي جغرافياً إلى تلك البقعة. وتنصّ القوانين على عدم السماح لمنتخب معيّن باللعب بعيداً عن الأراضي التي يقوم عليها.


محاولة محاصرة أفريقيا


حاول الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ومعه الاتحادات المحلية في القارة العجوز الضغط على الاتحاد الأفريقي للعبة من أجل وقف إقامة بطولة أمم أفريقيا لكرة القدم التي نُظمت قبل حوالي شهر ونصف شهر. وخرجت العديد من الأصوات في أوروبا ـ من مدربين ولاعبين وإداريين ـ التي تتحدث عن عدم أهمية بطولة أفريقيا للمنتخبات، حتى ذهب البعض من الأندية الإنكليزية إلى محاولة منع اللاعبين الأفارقة من الانضمام إلى منتخباتهم في البطولة القارية. وبعدما فشلت هذه الدول في إيقاف البطولة بدأ التصويب على التنظيم والملاعب في الكاميرون، حتى هوجم رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم صاميول ايتو بقوة بسبب دفاعه عن كرة القدم الأفريقية، والبطولة القارية. وتريد هذه الجهات المعترضة المنافسة في أوروبا فقط لكسب المزيد من الأرباح المالية، والتقليل من شأن الاتحادات القارية الأخرى.