استهل منتخب إنكلترا لكرة القدم مبارياته في التصفيات المؤهلة إلى بطولة أوروبا المقبلة «يورو 2020» بفوز كبير على منتخب تشيكيا بنتيجة «5 ـ 0»، وبعدها فوز بخمسة أهداف لواحد على منتخب الجبل الأسود. منتخب «الأسود الثلاثة» وجّه رسالة شديدة اللهجة لجميع المنتخبات التي سيواجهها في المراحل المقبلة. المنتخب يضم تشكيلة متجانسة من اللاعبين الشبان، كما تحقق الأندية الإنكليزية نتائج إيجابية في أوروبا. التطور أو الصحوة الإنكليزية لها أسبابها وأبرزها ربما المواهب. المستقبل يعد بالكثير.قبل عامين، أُصيب العديد من مشجعي منتخب الأسود الثلاثة بالإحباط، إثر تعيين غاريث ساوثغيت مدرباً للمنتخب الإنكليزي، في ظلّ خلو سجله التدريبي من محطاتٍ ناجحة من شأنها أن تبشّر بمستقبل مشرق للمنتخب. اليوم، يعتبر المدرب الشاب أحد ألمع الأسماء التدريبية في إنكلترا، بعد أن أنجز ما فشل به أسلافه لأكثر من عقدين. ماذا تغيّر مع ساوثغيت؟
خرّجت الكرة الإنكليزيّة العديد من النجوم المميّزين في عالم كرة القدم. أجيالٌ ضمّت لاعبين عظماء كجون تيري، واين روني، فرانك لامبارد، ستيفن جيرارد، أشلي كول وغيرهم. كل هؤلاء كانوا ليشكلوا فريق الأحلام لأيّ مدرب، غير أن سوء اختيار المدربين الذين تسلموا العارضة الفنية للمنتخب الإنكليزي، جعل «الأسود الثلاثة» عاجزين عن تحقيق أي لقبٍ يذكر لعقودٍ من الزمن. ساهم سوء التنظيم في خطط المدربين السابقين، بالحدّ من إمكانيات الإنكليز الكروية، بعد أن أدّى التعصب لأساليب المدرسة الإنكليزية التقليدية إلى تقديم نسخ باهتة مراراً وتكراراً. لطالما اشتهر الإنكليز بكرتهم التقليدية. دفاعٌ صلب، كرة طولية، فهدف. مع سوء التنظيم، خسر المدربون السابقون مبارياتهم، ولم يحققوا الألقاب، إضافة إلى عدم تقديم كرة قدم جميلة. اليوم، ترتدي إنكلترا زي المنافس على الألقاب، إثر تغيير تكتيكاتها بما يتلاءم مع متطلبات الكرة الحديثة. مع ساوثغيت، تغيّرت المعادلة، ووجد ساوثغيت الحل السحري للمنتخب. المدرب الشاب دعّم المنتخب بمواهبَ شابة، تعيش مع أنديتها فترات جيّدة، وتتعلم كرة القدم الحديثة، بمهاراتها سلاحاً جديداً لإنكلترا.
نهائيات كأس عالم مميّزة قدمها منتخب الأسود الثلاثة في روسيا (2018)، انتهت باحتلاله المركز الرابع في المونديال، بعد خسارته دور نصف النهائي أمام كرواتيا وصيف البطولة. النجاح الكبير الذي عرفه الإنكليز في المونديال، استمر في دوري الأمم الأوروبية، حيث ثأرت إنكلترا من كرواتيا، مستثمرةً فوزها بالتأهل إلى المربع الذهبي لدوري الأمم الأوروبية على حساب إسبانيا.
جايدن سانشو وكالوم هودسون أودوي يعتبران من أبرز مواهب المنتخب


رغم الإمكانيات الفنية الكبيرة للجيل الإنكليزي الجديد، لم يتخلَّ ساوثغيت عن ثقافة المنتخب بشكلٍ كلّي، إذ استفاد في مونديال روسيا من الكرات الثابتة. في دوري الأمم الأوروبية اعتمد على الكرات الطولية، التي تصل إلى مهاجم الفريق هاري كاين. ساهم تنوّع أفكار المدرب الإنكليزي الشاب في تغيير أسلوب الفريق حسب إمكانياته وإمكانيات الفرق المنافسة على حد سواء، كما ساهم تقديره للعنصر الشاب في استقطاب العديد من المواهب الصغيرة، التي أحيت المنتخب من جديد، أبرزها جايدن سانشو وكالوم هودسون أودوي. في أقلّ من موسم، تمكّن سانشو، وهو خريج أكاديميّة مانشستر سيتي من فرض نفسه كأحد أبرز مواهب الدوري الألماني والعالم على حدٍّ سواء، بعد التألق الكبير الذي شهده برفقة فريقه الجديد بروسيا دورتموند. على الجانب الآخر، أظهر أودوي جناح تشيلسي الشاب موهبته الفذة في المباريات القليلة التي شارك فيها، والتي جذبت أنظار النادي الألماني بايرن ميونخ له في فترة الانتقالات الشتوية الماضية. مع الواعدين جايدن سانشو وكالوم هادسون أودوي، باتت التشكيلة تضم تنوّعاً مع الهداف هاري كاين والنجوم رحيم سترلينغ، ماركوس راشفورد وديلي آلي، إضافةً إلى مواهب شابة أخرى على غرار لاعب تشيلسي روبن لوفتوس تشيك ولاعب ليفربول ترنت ألكسندر أرنولد.
الجيل الذهبي الموجود في إنكلترا اليوم، يعود بدرجةٍ كبيرة للاهتمام بنظام الأكاديميات في الأندية، والفئات العمرية على مختلف درجاتها. النجاح الذي عرفه المنتخب الإنكليزي مع ساوثغيت، ليس بشيء يُذكر أمام ما حققته منتخبات إنكلترا للفئات العمرية في نفس الفترة، إذ حققت منتخبات الناشئين نجاحات استثنائية على الصعيدين القاري والعالمي، بشرت بمستقبل مشرق لمنتخب الأسود الثلاثة.
في الصيف الماضي، تمكن منتخبا إنكلترا للشباب تحت 20 عاماً وتحت 17 عاماً من إحراز المونديال الأول لإنكلترا على صعيد الفئات كافة منذ عام 1966، إضافةً إلى بطولة أوروبا (يورو) تحت 19 عاماً. وصل الإنكليز تحت 21 عاماً أيضاً إلى نصف نهائي اليورو، كما وصل منتخب تحت 17 عاماً إلى نهائي اليورو، غير أن المنتخبَين خرجا من البطولة بعد خسارتهما في ركلات الجزاء. أضاءت هذه البطولات على بعض المواهب الإنكليزيّة «المدفونة»، على غرار خريج أكاديمية تشيلسي دومينيك سولانكي، خريج أكاديمية مانشستر فيل فودين، خريج أكاديمية إيفرتون كالفيرت لوين، وغيرهم من الأسماء التي قد تشكّل قوام المنتخب الإنكليزي في المستقبل القريب.
رغم الثناء الكبير الذي ناله ساوثغيت بفعل أداء المنتخب أخيراً، لا بدّ من إعطاء مدربي فرق الدوري الإنكليزي حقهم أيضاً. فساهمت أفكار المدربين الأجانب في تطوير اللاعبين الشباب، ما انعكس إيجاباً على نضوجهم الكروي، كما الحال مع رحيم ستيرلينغ مثلاً، الذي استفاد من المدرب الإسباني بيب غوارديولا في مانشستر سيتي. ستيرلينغ وفور انتقاله من ليفربول إلى مانشستر سيتي مقابل 50 مليون يورو، كأحد أغلى الصفقات حينها، تحول ثقل اللاعب الكروي من قدميه إلى رأسه، حيث بات أحد أفضل اللاعبين في الدوري بفضل غوارديولا، بعد أن كان يعتمد على سرعته إلى حدٍّ كبير مع مدربه السابق برندن رودجرز. الأمر نفسه ظهر مع روس باركلي في تشيلسي، الذي أظهر نضجاً تكتيكياً في خط الوسط بفعل أفكار مدربه الإيطالي ماوريسيو ساري.
النجاح الكبير لجميع فئات المنتخبات الإنكليزية، تبعه نجاح لفرق الدوري الإنكليزي على الصعيد الأوروبي، حيث تأهلت فرق مانشستر سيتي وليفربول وتوتنهام ومانشستر يونايتد إلى دور ربع النهائي، في إنجازٍ غاب عن الكرة الإنكليزية لسنوات.
الكرة الإنكليزية تمر اليوم بأفضل فتراتها، والاستثمار يجب أن يكون في بطولة أوروبا المقبلة (2020). حمل اللقب، وإلّا فإن المعاناة على مستوى النتائج والبطولات ستستمر، وسيبقى التغيير الإيجابي الوحيد في تحسّن طريقة اللعب.



ستيرلينغ في القمة


بعد ثلاث سنوات في قلعة «أنفيلد»، وخوضه اليوم لموسمه الرابع توالياً برفقة مانشستر سيتي، يمكن القول، إن الموسم الحالي لرحيم ستيرلينغ هو الموسم الذي وصل فيه صاحب الأصول الجامايكية لأعلى مراحل النضج الكروي، الذي من الممكن أن يصل لها أي لاعب كرة قدم. 4 أهداف خلال فترة التوقف الدولي مع المنتخب الإنكليزي، من بينها «هاتريك» في مرمى المنتخب التشيكي، ليصبح أول لاعب إنكليزي يسجل ثلاثة أهداف في مباراة واحدة على ملعب «ويمبلي» منذ 2010. أضف إلى ذلك، أرقامه المميّزة مع فريقه «السيتيزنس»، حيث سجّل ستيرلينغ حتى الآن 19 هدفاً إضافة إلى 16 تمريرة حاسمة، في جميع المسابقات هذا الموسم. لا يمكن إنكار الفضل الكبير للمدرب الإسباني بيب غوارديولا، المدرب الحالي للمان سيتي، الذي وتحت إمرته، يعيش ستيرلينغ هذه المرحلة الانتقالية في أدائه، الذي تحوّل من لاعب عادي ضمن منظومة السيتي، إلى أحد اللاعبين الأكثر تأثيراً في الفريق، إن كان ذلك من الناحية الفنية داخل أرضية الملعب أو من ناحية الأرقام والإحصائيات. الموسم حتى الآن بالنسبة إلى رحيم بمثابة جائزة لمثابرته على تحسين نفسه ومهاراته وتطويرها بشكل ملحوظ، ومن المتوقّع أن ينهي ستيرلينغ الموسم الحالي ببطولات عدّة، هو قد فاز بواحدة حتى الآن، وبقيت ثلاث بطولات أخرى.