فازت ألمانيا بكأس العالم عام 2014. انتصارٌ كان مستحقاً، لكن ربما كان متوقعاً بالنسبة إلى الكثيرين، وخصوصاً بعد الفورة التي عرفتها الكرة الألمانية على صعيد المواهب مقابل تراجع عددٍ كبير من البلدان الكبرى على هذا الصعيد، وهي التي اعتادت منافسة الألمان على الألقاب.
لكن طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بدأت الصورة تتغيّر على صعيد السباق نحو إثبات الوجود في مرحلة أولى، ثم خطف اللقب العالمي في مرحلة ثانية. وبغضّ النظر عن إحراز البرتغال للقب كأس اوروبا العام الماضي، فإنه بالحديث عن البطولات الكبرى كالمونديال، لا يمكن الكلام إلا عن الكبار، لا تلك المنتخبات التي يمكن اعتبارها «فلتة شوط»، تماماً كما حصل مع اليونان في كأس أوروبا عام 2004.
اليوم لدينا 4 إلى 5 منتخبات يمكن أن ننظر إليها كعيّنة عمّا يمكن أن نشاهده في كأس العالم المقبلة في روسيا. وهذه المنتخبات تركت قناعة في التصفيات وغيرها من المناسبات بأنها عادت بقوة أو ستقدّم الكثير في مونديال 2018، وبمستواها العالي ستفرز منافسة ضارية على الكأس الأغلى في عالم الكرة.

عملية البناء والعودة أصبحت أسرع من أي وقتٍ مضى

الألمان، بعد تحقيقهم لفوزهم السابع على حساب تشيكيا واقترابهم أكثر من روسيا، يبقون في دائرة الأقوياء، رغم أن مهمة حفاظهم على اللقب ليست بتلك السهولة، إذ لم نعد في عصرٍ يمكن فيه منتخباً أن يبقى بطلاً للعالم لثماني سنوات متتالية، فالعمل من قبل المنافسين بات أسرع من أي وقتٍ مضى، وعملية البناء من جديد أصبحت سريعة جداً، وهذا الأمر برز في أمثلةٍ عدة.
طبعاً، قدّم المنتخب الألماني نفسه بقوة إلى مستقبل اللعبة من خلال ما ظهر عليه في كأس القارات، حيث أشار إلى منافسيه بأنه صحيح أنهم يعيشون مرحلة بناء وترميم، لكن «المانشافت» يبني على نجاحاته وما يختزنه من مواهب في «البوندسليغا» وامتداداً إلى أوروبا. وهذا المشهد يطبع منتخباً مثل فرنسا تحديداً، إذ مع المدرب ديدييه ديشان، نهض الفرنسيون بما خرّجته أكاديميات أنديتهم في المواسم الثلاثة الأخيرة، وبتلك المواهب التي أزهرت أخيراً على أعلى مستوى في الكرة الأوروبية وبلغت أسعارها مبالغ قياسية.
«الديوك» يمتلكون اليوم منتخباً غير عادي، فإنّ أي تشكيلة يختارها ديشان يمكن أن تجلب النتائج، فقوة المنتخب الأزرق تكمن في صغر سنّ لاعبيه والعمق الموجود في التشكيلة، حيث لكل لاعبٍ أساسي أكثر من بديل قادر على تعويضه.
وليس بعيداً من فرنسا، وانطلاقاً من سحقها إيطاليا بثلاثية، تبدو إسبانيا على السكة الصحيحة للعودة إلى صف كبار العالم، إذ رغم الكبوات التي عرفها الإسبان، فإن ذهاب المدرب خولين لوبيتيغي إلى زرع شبانٍ مثل إيسكو وماركو أسينسيو في تشكيلته الأساسية، هو رسالة واضحة بأن «لا فوريا رواخا» انتقل إلى مرحلة جديدة عمادها شبان موهوبون وجائعون للسير على خطى أسلافهم. وهذه المسألة تجعل من المنتخب الإسباني منتظراً في المونديال الروسي، إذ مخطئ من يعتقد أن حقبة الإسبان انتهت، والدليل ما ظهر عليه منتخب الشباب في كأس أوروبا، الذي مرّت غالبية لاعبيه في المنتخب الأول في الفترات الأخيرة المتلاحقة.
وبالحديث عن الانتقال إلى مراحل جديدة، يمكن ربط المنتخب الإنكليزي بهذا الموضوع، إذ إن المدرب غاريث ساوثغايت تمتع بالجرأة الكافية لإحداث تغيير شبه جذري في تشكيلته، فبات لاعبون رموز مثل واين روني خارج الحسابات كليّاً، لتكون الساحة مفتوحة أمام جيل هاري كاين. لذا، ورغم العمل الذي لم ينتهِ بالنسبة إلى الإنكليز، فإن منتخب «الأسود الثلاثة» لن يكون لقمة سائغة كما كان عليه الأمر في الماضي القريب.
وبعيداً من «القارة العجوز»، هناك منتخب عانى وعاد أيضاً أجمل من أي وقتٍ مضى. والحديث هنا عن منتخب البرازيل، الذي ظهر وكأنه الوحيد من أميركا الجنوبية القادر على سحب البساط من تحت أقدام الأوروبيين.
مع المدرب تيتي سار «السيليساو» على خطى منتخبات أوروبا، إذ بعد ألعاب ريو دي جانيرو التي ذهبت فيها الميدالية الذهبية الأولمبية للبرازيل للمرة الأولى في تاريخها، علم تيتي أن مستقبل «بلاد السامبا» هي في أقدام الدماء الشابة التي باتت عماد تشكيلة المنتخب الأول، فكان التغيير الكبير الذي أخذ كل منتخبات القارة اللاتينية بعاصفته، وعادت البرازيل لتكون متعة اللعبة بامتياز.
إذاً، معركة كروية ضخمة يمكن توصيفها بمعركة نووية ستكون بالانتظار في مونديال روسيا، لتصبح الأمنيات الموحدة هي مرور الأيام سريعاً لملاقاة العرس الكروي الكبير.