خضة كبيرة عرفها مهد اللعبة، إنكلترا، عام 1880 عندما قرر نادي بوتل روفرز شراء لاعب يدعى إيرني ماكدونالد، فتلك البلاد التي كانت سبّاقة في كل شيء يختص بالمستديرة عند تأسيس اللعبة وإطلاقها شهدت عامذاك عملية انتقال وصفت بالضخمة والخطيرة، وذلك عندما قرر النادي المذكور دفع 8 شيلينغ وعلبة من لحم البقر من أجل ضمان توقيع اللاعب. خطوة رأى فيها كثيرون خطورة، لأنها نقلت اللعبة من مجرد وسيلة ترفيه إلى عملٍ تجاري، وخصوصاً أن دفع مبلغٍ تخطى الحدود كان فاتحة لما سيحصل لاحقاً من تضخم مطّرد عبر السنوات.
هذه كانت البداية، لتلحقها محطات عدة أقلقت عالم الكرة بعد دفع مبالغ عُدّت صادمة في حركة انتقالات اللاعبين. أولى الصدمات كانت عندما انتقل الهولندي الشهير يوهان كرويف إلى برشلونة عام 1973 مقابل مبلغ قياسي وصل إلى 922 ألف جنيه إسترليني، وثانيتُها عندما ترك الفرنسي جان بيار بابان مرسيليا نحو ميلان عام 1992 بمبلغ غير مسبوق أيضاً قدره 10 ملايين جنيه إسترليني.
لكن كل هذه الأرقام باتت في خانة «البخشيش» إذا ما تحدثنا عن تلك التي تُدفع اليوم، انطلاقاً من انتقال الويلزي غاريث بايل قبل 4 سنوات إلى ريال مدريد الإسباني مقابل صفقة قيل إنها راوحت بين 91 و100 مليون يورو، ووصولاً إلى وصول الفرنسي بول بوغبا إلى مانشستر يونايتد الإنكليزي في الصيف الماضي مقابل 105 ملايين يورو.
ويكفي ذكر الاسمين الأخيرين للقول إنّ ما يُدفع حالياً في اللاعبين المطروحين في سوق العرض والطلب هو أرقام مبالغ فيها، إذ بعيداً من الأرجنتيني ليونيل ميسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، لا يمكن التفكير في أرقام تتخطى الـ 100 مليون لدفعها لأي لاعبٍ في العالم، ولو أن البعض قد يأتي ليقول إنّ الأموال التي ضُخَّت في اللعبة من قبل مستثمرين فاحشي الثراء دخلوا البطولات الوطنية الأوروبية المختلفة زاد من هذه الظاهرة، حيث لا تجد أندية عدة مشاكل في دفع أي مبلغ مطلوب للحصول على مبتغاها.

8 شيلينغ وعلبة
لحم كانت وراء أول صفقة ضخمة

أضف أنه إذا سلّمنا جدلاً بأنّ هناك بعض الأندية التي تتنعم بعائدات مالية ضخمة جراء أرباحها الكبيرة من التسويق والتجارة، على غرار مانشستر يونايتد، فإنها تدخل السوق بأرقام غير مبررة، إذ لا يختلف اثنان على أنّ المبلغ الذي دُفع في بوغبا هو مبالغ فيه إلى أبعد الحدود، والدليل ما قدّمه اللاعب في موسمه الأول مع «الشياطين الحمر». كذلك، إنّ سعي يونايتد حالياً إلى ضم الإسباني الفارو موراتا والإيطالي أندريا بيلوتي مقابل ما يوازي نحو 150 مليون يورو (80 مليون يورو للأول و70 مليون يورو للثاني)، هو ضرب آخر من الجنون، لكون اللاعبين لا يمكن مقارنتهما بأقوى هدافي العالم، أمثال الأوروغواياني لويس سواريز، والبولوني روبرت ليفاندوفسكي. وللكلام المذكور تبرير منطقي، إذ إن القيمة السوقية لموراتا يفترض أن تكون أقل، لكونه قد ظل أسير دكة البدلاء بعد عودته إلى ريال مدريد، بينما بعيداً من موهبة بيلوتي (قيمة فسخ عقده هي 95 مليون يورو) فهو ينشط في دوري فقد الكثير من قيمته الفنية، ما سهّل عليه عملية وضع اسمه تحت الأضواء.
هو الجنون أيضاً عند الحديث عن استعداد برشلونة الإسباني ومانشستر سيتي الإنكليزي لدفع 100 مليون يورو مقابل الحصول على خدمات الإيطالي ماركو فيراتي، إذ رغم أن اللاعب يعدّ من خيرة لاعبي الوسط في العالم، لكنه ظهر في المحطات الحاسمة مع باريس سان جيرمان الفرنسي غير قادر على نسخ ما فعله شافي هرنانديز واندريس إينييستا مع «البرسا» أو الكرواتي لوكا مودريتش والألماني طوني كروس مع الريال، الذي سيكون قد أُصيب بالجنون أيضاً في حال صدق ما ذكر في الإعلام عن توجهه لدفع 100 مليون يورو بهدف التعاقد مع لاعبٍ يافع مثل مهاجم موناكو الفرنسي كيليان مبابي، الذي رغم موهبته الفذّة لا يزال الطريق طويلاً أمامه لإثبات نفسه بين كبار قناصي العالم.