الشهر الذي تُقام فيه الألعاب الأولمبية هو «الشهر المقدّس»، فيه يُعلن السلام المقدس، وتتوقف جميع الحروب، ويلتقي أعداء الأمس في الساحات الرياضية، يتصارعون ويتبارزون بروح رياضية على ألقاب الشرف: الأقوى، الأعلى، الأسرع!
آسيا عبد الله
تروي الأسطورة أن «زيفس» إله السماء قاتَل والده «كرون» إله الأرض قتالاً مريراً حتى انتصر عليه، وصار السيد المطلق والإله الأوحد على الأرض وفي السماء، وقد كلّل انتصاره بإقامة أعياد كانت تجرى فيها الألعاب الرياضية، وسمّيت بالألعاب الأولمبية القديمة، منذ عام 776 ق. م.
واتسمت هذه الألعاب بالتقاليد الدينية والرياضية والنظم التربوية والأخلاقية، فالأبطال الفائزون كانوا يُتوّجون أمام معبد زيفس بغصن زيتون، يقطع بمقص ذهبي من حديقة «الزيتون الإلهية»، أما النظم الأخلاقية التي كانت سائدة فكانت تقضي بإجلال المنتصر ومحاسبة الجبان والغشّاش، وكانت لجنة الحكام الرياضيين تملك كل الحق بمحاسبة من لا يراعي قدسية الألعاب، إلى أن حاكمت اللاعب «إيفبال» ومنافسه الذي وافق على التنازل أمامه في حلبة المصارعة، بعد أن اشتراه بالمال! أما شكل العقاب فكان إسقاط الحقوق المدنية عن المذنبين معنوياً، ودفع قسط من المال يجمع في نهاية الألعاب وتُشترى بها لوحات المرمر وتُنحت عليها أحكام وتُعلّق على معبد «زيفس»، ومن الأحكام أو الأمثال «النصر في الألعاب الأولمبية لا يحققه المال بل سرعة الأرجل وقوة الجسد».

عظماء يشاركون والألعاب تتوقف!

كثير من عظماء الإغريق شاركوا في الألعاب الأولمبية، كالمؤرخ هيرودوث والفيلسوف سقراط والخطيب ديموستين والكاتب لوقيان وعالم الرياضيات بيتاغور. ولم تتوقف الألعاب التي كانت تُقام في مدينة «أولمبيا» كل أربع سنوات، حتى بعد استيلاء الرومان على أراضي إليادة، حتى جاء عام 394 للميلاد، حين جاء الإمبراطور الروماني تيودوس الأول وأمر بوقفها، مشيراً إلى أنها تمتّ إلى الوثنية بصلة، فهُدّمت الملاعب والأمكنة الرياضية من أبنية وساحات ومدارج، وفي عام 522 للميلاد، حصلت هزة أرضية قوية أتت على مدينة أولمبيا فدمّرتها، إلى أن تمكّن علماء جيولوجيون من تحديد معالمها في نهاية القرن التاسع عشر وعملوا على إحياء بعض أماكنها الرياضية.

كوبرتان يحيي الألعاب

بعد مرور مئات الأعوام على إيقاف الألعاب، دعا الفرنسي بيار دو كوبرتان إلى إعادة إحيائها والإفادة منها اجتماعياً في مختلف أنحاء العالم، فكانت المحاولة الأولى في بداية القسم الثاني من القرن التاسع عشر في اليونان، حيث أقيمت في أثينا، تخللتها مسابقات في الجري والقفز والرمي والجمباز، واشترك فيها رياضيون يونانيون فقط. وفي عام 1889، سمحت وزارة التربية والثقافة الفرنسية لكوبرتان بإقامة أول اجتماع دولي في باريس لدراسة مشكلات التربية البدنية عالمياً، وفي 23 حزيران 1894 اجتمع ممثلو 12 بلداً هي: فرنسا، إنكلترا، الأرجنتين، بلجيكا، هنغاريا، اليونان، إيطاليا، نيوزيلندة، روسيا، الولايات المتحدة الأميركية، تشيكيا والسويد، وقرروا إحياء الألعاب، وأسفر الاجتماع عن ولادة التشريع الأولمبي الجديد للألعاب الحديثة، وحدّد عام 1896 عاماً «أولمبياً»، كما أعطيت مدينة «أولمبيا»، أثينا حالياً، شرف إحياء الألعاب عبر «الدورة الأولى للألعاب الأولمبية الحديثة».

الأرقام

1928 هو العام الذي أوقدت فيه أول شعلة أولمبية، وهي ميزة تقليدية للألعاب.
وتُقاد الشعلة بواسطة أشعة الشمس في احتفال ديني في سهل أولمبيا، ثمّ تُسلم إلى أفضل عدّاء في المدينة المضيفة، وتبدأ رحلتها قبل شهر من افتتاح الألعاب.
1913 هو العام الذي صمّم فيه الفرنسي دو كوبرتان شعار الحلقات الخمس الخاص بالأولمبياد، الذي يمثّل ألوان القارات الخمس أوروبا وآسيا وأفريقيا وأوقيانيا وأميركا. ورُفع للمرة الأولى في دورة باريس عام 1914.


بطلٌ أولمبيٌ ينقذ والدته من العذاب

كان للبطل الأولمبي شأنٌ كبيرٌ في المجتمع الإغريقي وامتيازات عليا. وكان محظوراً على النساء والعبيد حضور المنافسات تحت طائلة الإعدام، وقد ضُبطت المرأة فيرنيس بزيّ رجل وهي تتابع المسابقات، وعند التحقيق معها، تبين أنها كانت تتابع ابنها الملاكم بيسيدروس الذي توّج بطلاً فأنقذها بفضل لقبه!





جدول ميداليات البلدان الفائزة في الألعاب الأولمبية منذ 1896 إلى 2004 (موقع اللجنة المنظمة)