بين الرياضة العربية وأعرافها مشوار وعقود طويلة عريضة من التوارث، توارث رئاسات الاتحادات، ومقارّها الرسمية، ومراكز دوراتها. وقليل قليل فيها من يتبادل المناصب والتغيير عبر انتخابات ديموقراطية...
علي صفا
مناصب محجوزة، موروثة... من الأب إلى الابن، إلى الأخ، إلى الأقارب، إلى الزوجة أحياناً... اتحادات ألعاب تصبح لعبة، يفوز بها الوارثون وتخسرها الأوطان. في رئاسات رياضاتنا، رئاسة الاتحاد العربي موروث، ورئاسة الأولمبية الآسيوية موروثة، واتحادات محلية وقارية وأماكن مقارّها موروثة أيضاً ومفروضة.
هذا محتوم ومملوك منذ سنوات، ومقبول وماشي من الغالبية، مع معارضة مكتومة، لا تقدر على التغيير. وإن كانت الرغبة دفينة تنتظر الانفجار في ظرف ما!
الوراثة تتجدد... ولكن إلى حين.
قبل أيام، برزت تصريحات نارية، بين أطراف عربية سعودية كويتية ضد بن همام القطري، إثر اتهامات بنيّة مواقف مبيّتة، وصلت إلى تحدّيات بترشيحات ضد بن همام على منصب رئاسة الاتحاد الآسيوي الذي يشغله منذ سنوات، فردّ بن همام بأنه سيترشح لرئاسة الاتحاد العربي (يشغله حالياً السعودي سلطان بن فهد منذ 1999).
وسيترشح لاحقاً أيضاً لمنصب رئيس المجلس الأولمبي بمواجهة الكويتي الشيخ أحمد الفهد (تسلّم بعد اغتيال شقيقه فهد الأحمد 1990).
وبدأت معركة عربية ـــــ عربية بدعم قاري آسيوي لهذا ضد ذاك.
هي معركة بين أشخاص، صحيح، وصراع موروثات...ولكنها في حقيقة الرياضة وحركتها تحمل وجوهاً أخرى... كيف؟

عودة إلى الأصول

أطراف عدة تترشح لانتخابات. رغبة مشروعة وسليمة، يعني عودة إلى عروض ديموقراطية، ترشيحات بدل الوراثة والتوريث، لم لا؟ ما دام الاختيار سيتم بحسب البرامج والكفاءات بدلاً من «المشيخات». أليس هذا أرقى؟ فلماذا إذاً تلك الهمروجات والخلافات والصراعات العشائرية والتهديدات القبلية؟
محمد بن همام شخصياً، عمل الكثير لكرة آسيا والعرب، فمن يحمل مجهودات أفضل فليتفضّل، بلا تهديد ولا وعيد ولا مناكفات أو اتهامات ولا إنكار أيضاً لمن قدّم وطوّر.
الانتخابات مؤشر تطور، وتحالف المشيخات والوراثات مؤشر تخلّف... ورياضات عربية تنتظر مسارها ومصيرها.
وفي الرياضات العربية أيضاً، اتحادات موروثة، منصّب عليها رئيس وعائلته أو سلالته، كأنها مكتوبة لهم منذ ولادتها...
ومعظمها يقودها مشايخ وأمراء ووجهاء مع توابع لهم، توابع في الإدارة، ولكل «قائد» شلّة من وسائل الإعلام مربوطة به برشّات ومغلفات يسمّونها «مكرمات»، وهذه كلها ترتبط بمراجع وارثة تصل إلى الحاكم ـــــ الوالي.
وأمام هذا الواقع الموروث، ينطفئ منطق الانتخابات السليمة المنتظمة، وكذلك دور الجمعيات العمومية التي تمثل النوادي، وغالباً ما تتحول هذه الجمعيات إلى مجرد جماعات من شخوص مرقّمة مُقادة بقرار أعلى إلى أياد ترتفع، تصوّت ولا تنتخب.
وفي بعض الرياضات العربية ما تقوده إدارات حزبية ثابتة، ونادراً إدارات متنوعة بحسب الجهة الحاكمة تحت شعار «لكل زمان إدارة ورجال».
هنا، تنتفي الانتخابات وتتوّج الإدارة بالتعيين، ثم العزل فإلى تعيين آخر، وتتحوّل مراكز الإدارات إلى مراجع «ديكتاتورية» تأمر وتعيّن وتعزل بحسب المزاج غالباً أو النتائج أحياناً. ودلائل ذلك واضحة وخصوصاً في اتحادات الخليج الرياضية، حيث يسود المال والسلطة!

في لبنان

رياضات لبنان فريدة ربما، تحمل من كل نوع فرعاً، وتقودها معادلات من نوع آخر. رياضاتنا تدور بين الوراثة والتعيين والتطيّف والتسييس، تحت عناوين الأعراف والتوافق والتوازن، ما ولّد واقعاً مريضاً وصراعات «قبلية» تؤدي إلى واقع يضرب مفاهيم الانتخابات الحرة المبرمجة.
في لبنان، اتحادات مسيحية وأخرى مسلمة، وبعضها تبدلت طائفته بحركة تحرير (اتحاد كرة القدم مثلاً)، ومعظمها ثابت محافظ على هويته الطائفية ثبوت الأرز، وقليل يهتز تحت ضربات التغيير والإصلاح، وصولاً إلى اللجنة الأولمبية، العليا، التي تصل إلى المراجع السياسية العليا.
هذا الموسم، جرت «انتخابات» في معظم الاتحادات الرياضية اللبنانية، وسط صراعات ومناكفات سياسية ـــــ طائفية، وبعد أيام سقط بعضها بطعون قانونية، لتعاد انتخاباتها بشكل آخر ربما أسوأ، وحملت بعض الاتحادات مصائب طريفة، فقد قامت القيامة على خروج أسماء منها كانت تعتبر رمزاً مذهبيا أزلياً، وآخر رمزاً سياسياً، فنجح غيرها فاهتزت أركان الملّة لضرب ذلك العرف، وعلا تهديد برد الضربات عبر ثورة أخرى. وهدأت قيادات الأركان أخيراً تمهيداً لمعركة القيادة العليا للجنة الأولمبية المتوقع أن تشهد انقلاباً لا يخلو من عملية توافق «وطنجية».
واقع الرياضات العربية واللبنانية هذا مُعاش ومعروف لكل متابع، ونتائجه واضحة ومعروفة في المحافل القارية والعالمية، وأرقامها في الألعاب الأولمبية تؤكد تخلّفها وتصفع الواقع ومعظم مسؤوليه..


بن همّام: لماذا يقصده الوارثون؟

يعرف الجميع نجاحه من دور إلى دور، في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وفي عضوية تنفيذية الفيفا، وما قدّمه إلى كرة آسيا والكرة العربية، من برنامج الهدف، إلى بروز الحكام العرب في كؤوس العالم، وبات مرشحاً إلى رئاسة الفيفا. كيف يصير الرجل هدفاً لأمراء الوراثة الرياضية؟ ولماذ لا يبحثون عن أدوار أخرى أكثر نجاحاً؟