منذ أن أنطلقت الرياضة، كانت ولا تزال في الظل خلف السياسة وصنّاعها الذين لم يقصّروا في استثمار فوائدها. لكن ماذا لو أراد الرياضيون دخول عالم السياسة؟ هنا تصبح اللعبة مكشوفة مع بعض الاستثناءات
حسن زين الدين
كان الأسبوعان الرياضيان المنصرمان سياسيين بامتياز. الرئيس الأميركي باراك أوباما في كوبنهاغن حاملاً ملف شيكاغو لاستضافة الألعاب الأولمبية 2016. في مقابله كان نظيره البرازيلي لولا دا سيلفا حاملاً ملف ريو دي جانيرو. خرج الأول خائباً، فيما ذرف الثاني الدموع فرحاً بانتصار بلاده.
هنا تغيب الرياضة بشكل أو بآخر، أو بتعبير أدق، تنكفئ هذه الأخيرة لمصلحة السياسة والشعور الوطني. تصبح الرياضة أداة طيّعة من أدوات الانتصار الوطني. هذا العامل الأخير لطالما كان حاضراً بقوّة في المحافل الرياضية الدولية منذ مطلع القرن الماضي إلى الآن.
لكن ماذا لو انقلبت الأمور وكان الرياضيون هم من يطرقون باب السياسة طمعاً في مناصبها المغرية؟ في هذه الحالة ستختلط الأمور على بعضها بحسب كل نموذج، لمعرفة من المستفيد: الرياضيون أم السياسة؟

روماريو يدخل السياسة

هكذا، وقبل أسبوعين خرج النجم البرازيلي السابق روماريو إلى وسائل الإعلام كاشفاً عن رغبته في دخول عالم السياسة. جمع روماريو المجد من أطرافه في عالم الساحرة المستديرة، وحان موعد صرفه الآن في دنيا السياسة. روماريو ينوي الترشح للانتخابات

روماريو يدخل عالم السياسة وقد سبقه الى ذلك فيلموتس وسقراط، فيما رفض مارادونا اغراءات صنّاعها
النيابية عام 2010 ممثلاً الحزب الاشتراكي بعدما أعلن انضمامه رسمياً إلى صفوف هذا الأخير، وسرعان ما أعلن صاحب الألف هدف في مسيرته الاحترافية هدفه من الترشح: مساعدة الأطفال والرياضة (مع أنه ليس بخفيّ أن روماريو يعاني ضائقة مالية كبرى!). أما الحزب الاشتراكي فكان بالطبع من جانبه مرحّباً بأفضل لاعب في العالم سابقاً ولم يتوان مسؤول الحزب في ريو دي جانيرو عن الإفصاح لصحيفة «أو غلوبو» المحلية بأن حزبه سيستفيد من أصوات معجبي روماريو الكثر في العملية الانتخابية. هكذا، سيصبح روماريو ماكينة انتخابية بحد ذاتها.
إنها لعبة المصالح المشتركة إذاً. لعبة تقاسم كعكة الحلوى: روماريو يحصل على النفوذ والأمان بعدما كثرت مشاكله ومشاويره إلى المحاكم في الآونة الأخيرة، والحزب من جهته يحصل على المقاعد النيابية، مستفيداً من شهرة النجم.

سقراط كان استثناءً

اللاعب البلجيكي مارك فيلموتس سبق روماريو إلى عالم السلطة. هكذا، بعد اعتزاله، أصبح فيلموتس عضواً في مجلس الشيوخ ممثلاً حركة الإصلاح، لكن مسيرته السياسية لم تكن ناجحة، وسرعان ما استقال.
ربما لم تتفق آراء فيلموتس مع تطلعات حزبه أو لم يتأقلم مع أجواء السياسة نفسها، فتنحّى مخلياً الساحة لأربابها. لكن النجم البرازيلي السابق سقراط لم يكن كذلك. سقراط كان، وربما سيبقى، حالة استثنائية.
فأحد أفضل لاعبي خط الوسط على مرّ التاريخ لم يتوان عن مقارعة النظام العسكري الذي كان حاكماً في البلاد عبر تأسيسه حزباً يحمل اسم: «حزب كورينثيانس الديموقراطي» للمطالبة بحقوق لاعبي كرة القدم. وهو ذهب أبعد من ذلك عبر حثّ الناس على المشاركة في التصويت عام 1982 في الانتخابات الأولى التي أجريت في البلاد بعد الحكم العسكري وذلك من خلال حملة «انتخب في الخامس عشر» التي كان يضع هو وزملاؤه في فريق كورينثيانس شعارها على خلفية قمصانهم، فاكتسب سقراط شعبية كبرى في بلاده أضيفت الى تميّزه المنقطع النظير في المستطيل الأخضر.

... ومارادونا ذهب بعيداً

لا يمكن الحديث عن لاعبي كرة القدم والسياسة من دون التوقف عند «حالة» اسمها دييغو مارادونا. النجم الأرجنتيني الذي أبهر العالم بموهبته الكروية، كان ليبهرهم كذلك ومن دون مبالغة لو دخل ميدان السياسة. نحن هنا أمام حالة يصعب تأطيرها في كادر تقليدي حتى في مجال السياسة. فالصديق المقرّب من الزعيم الكوبي فيديل كاسترو والمتأثر بمواطنه الثائر أرنستو تشي غيفارا يحمل طباعاً تشبه ما امتاز به هذان الرمزان. وفي مراجعة لتصاريح مارادونا السياسية ومواقفه، لا مجال إلا أن نقف أمام ثائر ومنظّر سياسي بامتياز. مواقفه لا تعرف المهادنة، صريحة الى أبعد الحدود، منها على سبيل المثال: «بوش قاتل»، كان ذلك خلال مشاركته في تظاهرة احتجاجية ضد زيارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش للأرجنتين.
في مرّة أخرى، سنجد مارادونا يتلقى رسالة شكر عام 2007 من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بعدما أهدى «الأسطورة» الشعب الإيراني قميصه وأبدى تعاطفه مع هذه البلاد إزاء أميركا، معلناً نيته زيارتها، ما خلّف استياءً عارماً لدى اليهود الأرجنتينيين.
وفي مرّة ثالثة، سنجد مارادونا، عام 2008، في كراكاس، يدعم صديقه الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز في الاستفتاء الشعبي لتمديد ولايته.
وفي مرّة رابعة، سنستمع إليه منظّراًَ في موضوع الفقر خلال حديثه إلى مخرج فيلمه «مارادونا» صديقه الصربي أمير كوستاريكا. وبعض مما يقوله مدرب «التانغو» الحالي: «الفقراء لا يخذلونك ولا يتخلّون عنك أبداً. معظم أصدقائي خذلوني (...) أما أبناء الحيّ الذي كنت أعيش فيه في فيوريتو فقد بقوا مخلصين كما هم».
لكن، وبعد كل ما تقدّم، ما هو موقف مارادونا من الترشح للمناصب السياسية في بلاده يا ترى؟ الجواب سنجده واضحاً في حديثه إلى أمير ذاته، حيث يقول: «السياسيون وأولئك القريبون من الحكومة أصبحوا أغنى وأغنى. أنا أيضاً أتيحت لي الفرصة أن أصبح أحدهم، لكنني رفضت وقلت لا، لأن ذلك يستلزم السرقة من الفقراء»...


بيليه وراوول «سفيران» ليوم واحد

ربما اعتدنا رؤية الجوهرة البرازيلية بيليه بثياب رسمية في المحافل الكبرى بعدما كان قد شغل سابقاً منصب وزير الرياضة في بلاده، وهو كان حاضراً كذلك مع اللاعب الإسباني راوول في كوبنهاغن لدعم ملفّي بلديهما لاستضافة أولمبياد 2016. بيليه وراوول كانا بجانب ممثلي دولتيهما السياسيين في مهمة تتعدّى الإطار الرياضي إلى خدمة الوطن.