دمشق | بعد العقوبات الأوروبية التي دفعت القطاع المالي السوري إلى إعادة النظر في ترتيب تعاملاته، ولا سيما ما يختص بالتعامل التجاري، يسود سوريا ترقّب لماهية العقوبات العربية التي ستفرض عليها، تمهيداً لمحاولة إيجاد آلية للتعامل معها. في هذا الصدد، يقول نائب رئيس غرفة تجارة دمشق بهاء الدين حسن: «إلى اليوم، لم نعرف شكل العقوبات ونوعيتها حتى نتدارك الأمر، وبالتالي أعتقد أن تأثير العقوبات سيشمل الطرفين: الطرف الذي سيطبق العقوبات والطرف الآخر وهو سوريا. لذلك، إذا فُرضت العقوبات فسيكون تجاوزها من الطرفين؛ لأن إيقاف التبادل التجاري بين أي بلدين سيكون له تأثير سلبي، ومن الصعوبة إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه في السابق. لذلك، من مصلحة الطرفين أن يكونا حريصين على تجاوز العقوبات والالتفاف عليها حتى لا نفقد العلاقات التي عملنا على بنائها منذ أمد بعيد بين المستوردين والمصدرين».
ويضيف: «نحن سبق أن صدرت عقوبات اقتصادية وسياسية أميركية بحقنا، واستطعنا تجاوز هذه المرحلة بكل أبعادها، واليوم نقول بكل صراحة سنتجاوز هذه العقوبات مهما كانت، من دون أن ننكر تأثرنا بها، ولا سيما في حال إغلاق السفارات للدول العربية. لكن حتى الآن لم تصلنا معطيات عن توقف أي عملية للتبادل التجاري مع الدول العربية».
وأقصى ما يمكن توقعه في حال فرض عقوبات اقتصادية عربية على سوريا هو إيقاف عضويتها في اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، الأمر الذي يرى مدير تنمية صندوق الصادرات، إيهاب اسمندر، أن تنفيذه سيكون صعباً بالنسبة إلى بعض الدول العربية، التي قد تتأذى من ذلك، كالعراق على سبيل المثال الذي تتجه إليه 50 في المئة من صادراتنا، والشيء ذاته بالنسبة إلى لبنان، إذ معظم نشاطه التجاري يجري من خلال سوريا ومعها، ونسبة صادراتنا إليه 6 في المئة وإلى مصر 8 في المئة، أما إلى السعودية فالتصدير إليها لا يتجاوز 3 في المئة.
ويشير اسمندر إلى وجود إشكاليات مستمرة مع الجانب السعودي لأسباب مختلفة، ومع ذلك هو بحاجة إلى ما يستورده من سوريا كاللحوم والأغنام. وفي كل الأحوال، سوريا سيكون لها أسلوب في إدارة الأزمة، وستعزز علاقتها مع دول بديلة لمواجهة العقوبات التي بدأ القطاع المصرفي السوري بتلمس بوادرها، إذ تشير المعلومات المصرفية إلى وجود بنكين عربيين طالبا بوقف التعامل مع البنوك السورية، أحدهما البنك الأهلي السعودي. وتأسيساً على ذلك، يؤكد المدير العام لبنك سوريا والمهجر، جورج صايغ، أنه يجب «أولاً معرفة نوعية العقوبات التي ستفرض على سوريا. فما اعتدناه في السابق هو العقوبات الأوروبية والأميركية التي عرفنا مضمونها، أما العقوبات العربية فهي لم تصدر حتى الآن، وبالتالي من الصعب التكهن بها».
وفي ظل وجود شريحة كبيرة في قطاع المال تعتب على الموقف اللبناني، نظراً إلى اعتقادها أن الدعم سيأتيها من المصارف اللبنانية، يشير صايغ إلى أن «البنوك اللبنانية لم تتوقف عن مساعدة البنوك السورية ضمن حدود المنطق، من دون أي تعدٍّ للأصول المصرفية»، وذلك في الوقت الذي تواصل فيه المصارف السورية والتجار جهودهم لتلبية حاجات الزبائن من خلال إيجاد البدائل المناسبة.
فعلى صعيد الاستيراد، وبعد إغلاق الأسواق الأوروبية في وجه البضائع السورية، لم يجد المستورد السوري بداً من التوجه نحو أسواق أخرى، لكن بالطبع هذا الأمر فرض على التاجر كلفة إضافية من ناحية الجهد المبذول والعمولات، وهو ما جعل عملية الاستيراد أصعب نسبياً وتستغرق وقتاً إضافياً. وهنا توجه رئيس غرفة تجارة دمشق غسان قلاع بنصيحة إلى المستوردين السوريين أن يضاعفوا الكميات المستوردة، حتى يتوافر لدى المستوردين مخزون مدور بنحو دائم يفي بحاجة السوق والمستهلكين.
من جهته، لم يجد المصرف التجاري السوري مفراً من التحول نحو شركاء جدد حتى يتمكن من متابعة تسيير معاملات الزبائن، وخاصة في ما يتعلق بموضوع التعامل بالاعتمادات المستندية، بعدما أخذ يواجه صعوبة في التعامل مباشرة مع البنوك الوسيطة في أوروبا. ولذلك لجأ التجاري إلى التعامل مع بنوك وسيطة في دول أخرى كالصين وغيرها، وهي دول ارتبط معها التجاري بتعاملات في السابق، لكن ليس على نطاق واسع.
إلّا أن تعقيداً آخر ينتظر العمل المصرفي من ناحية القدرة على توفير العملتين الروسية والصينية اللتين أضيفتا إلى قائمة أسعار الصرف، وبالتالي هي مسألة وقت للبدء بالتعامل بهاتين العملتين اللتين تحملان فروقاً في الأسعار قد تحصل نتيجة شراء العملات وعند فتح الاعتمادات المستندية.
وفي ظل هذه الظروف، أصبح المصرف التجاري يشدد على منح الأولوية في تقديم الخدمات المصرفية، وتحديداً بيع القطع، لزبائنه الذين مضى على تعامله معهم أكثر من سنتين. أما الزبون الجديد، فيحتاج إلى فترة ليتأكد المصرف من صدقيته وتعامله الجيد مع المصرف. لذلك، فالأولى بكل مصرف أن يموّل العمليات المصرفية لزبائنه.
بدوره، كان للمصرف العقاري أيضاً نصيبه من العقوبات الاقتصادية، وجرى تلقائياً إيقاف أي حوالات إلى المصرف العقاري من الخارج. وبحسب معلومات من مديرية العلاقات الخارجية في المصرف، وضع المصرف خطة توفر الخدمة المطلوبة للعملاء من خلال التعامل مع بنوك مراسلة تسمح بفتح حسابات بعملات عربية، منها الدرهم الإماراتي، ولا تزال التعاملات خفيفة في هذا المجال، وهناك محاولات للبدء بالتعامل بالريال السعودي في ما يختص بالحوالات الواردة والصادرة، لكن التأخر يحصل من جانب المصارف السعودية. وضمن الخطة، من المقرر أيضاً فتح اعتمادات مع بنوك روسية أو صينية لتغطية التعاملات التجارية. إلا أن الواقع الحالي لم يؤثر على عمل المصرف العقاري، وخاصة بالنسبة إلى القطع الأجنبي. فالمصرف العقاري لم يتأثر بإيقاف الحوالات تلقائياً، نظراً إلى أن شبكة المراسلين للمصرف لا تزال صغيرة وعمرها لم يتجاوز 5 سنوات، لذلك جاء التأثر بمقدار حجم العمل.