يستمر ملفّ النزوح السوري في مزاحمة كلّ الملفّات الطارئة وعلى رأسها الحرب في الجنوب. وبينما تتسابق القوى السياسية لتقديم رؤيتها لمواجهة تداعيات النزوح المستمر، لا تزال الحكومة تتقاعس عن لعب دورها المطلوب بالأطر الرسمية، وتصر على التلطي خلف القنوات الأمنية التي تقوم بهذه المهمة نيابة عنها.ويتولّى جهاز الأمن العام المولج بتنفيذ الخطة «الصورية» التي وُضِعت لمواجهة أزمة النزوح تحت ضغطين: الأول سياسي داخلي تقوده قوى سياسية واقتصادية ومرجعيات تؤكّد ضرورة ترحيل السوريين بأي طريقة وأي ثمن وبلغة عنصرية تستدعي ردات فعل انتقامية في بعض الأحيان. والثاني، خارجي تتولاه دول وجهات وحكومات غربية تهدد لبنان بعقوبات في حال اتخاذ أي إجراءات بحق النازحين. مع ذلك، يستمر الأمن العام بالقيام ببعض الخطوات، آخرها زيارة لسوريا قامَ بها المدير العام بالإنابة اللواء الياس البيسري أول من أمس، والتقى خلالها كلاً من رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء كفاح ملحم واللواء علي المملوك.

(أ ف ب)

وعلمت «الأخبار» أن البحث تناول «نقطتين أساسيتين»، الأولى تتعلق بالسوريين المحكومين في السجون اللبنانية، إذ حصل نقاش حول تسليم هؤلاء لسوريا لقضاء محكومياتهم استناداً إلى اتفاقية موقّعة بين البلدين لتبادل المحكومين»، وأهم بنودها أن يكون «الحكم مبرماً وأن تكون العودة بناءً على طلب المحكوم». وفيما أبدى الجانب السوري إيجابية تجاه هذه النقطة، استمهل البيسري بعض الوقت للتنسيق مع وزارة العدل السورية ومصلحة السجون ودراسة ملفات المحكومين والتنسيق مع الوزارات اللبنانية المعنية، نظراً إلى أهمية هذا الملف الذي «سيساهم في تخفيف اكتظاظ السجون وتسريع محاكمات سوريين موقوفين». مع التأكيد على أن الحديث عن الموقوفين يتناول حصراً المحكومين بتهم جنائية واستثناء الموقوفين والمحكومين بتهم سياسية.
أما النقطة الثانية، فتتصل بترحيل النازحين، إذ أبلغ البيسري المسؤولين السوريين بأن لبنان في صدد إعادة أعداد كبيرة منهم إلى سوريا. وبحسب المعلومات، فإن المسؤولين السوريين أكدوا للبيسري استعداد سوريا لاستقبال من يريد العودة من النازحين فوراً ومن دون أي شروط، وأكدوا أن هناك إجراءات جديدة تتعلق بالعائدين بحيث يتم إبلاغ الشخص الداخل بالإجراءات الموجودة بحقه في حال كانت هناك إجراءات، ولديه حرية الاختيار بين الدخول أو العودة، حتى لو كان مطلوباً للأجهزة الأمنية.
معارضون سوريون يطالبون أميركا وأوروبا بفرض عقوبات على قوى من 14 آذار تقود حملة عنصرية ضد السوريين


ونقل البيسري عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد لقائه به أمس لوضعه في أجواء الزيارة أنه «تحدّث مع الأوروبيين عن خطة لإعادة العائلات السورية وإبقاء العمال»، وأضاف البيسري أن الجانب السوري أكّد «أن الدولة السورية مع كل عودة تحفظ كرامة السوريين».
وبينما يرحب الجانب السوري بالتنسيق الأمني، إلا أن المسؤولين السوريين لا يزالون يربطون تنفيذ الحل المتكامل لأزمة النازحين بحصول تنسيق رسمي من خلال حكومتَي البلدين، وليس فقط الاكتفاء بالتنسيق الأمني، سيّما أن ميقاتي يرفض حتى اللحظة تشكيل وفد رسمي وتحريك ملف الزيارة الرسمية إلى سوريا، مكتفياً بالحديث العمومي حول الموضوع لامتصاص الأجواء التي رافقت الأسابيع الماضية وكسب الوقت من دون الإقدام على خطوات جدية. كما أن الخطة التي يتحدّث عنها ميقاتي غير واضحة المعالم بالنسبة إلى المسؤولين الحكوميين اللبنانيين قبل السوريين، وهو لم يفصح بعد عن خطته التي يخبر الجميع بأنه حصل على تمويل أوروبي لتنفيذها.
وكشفت مصادر بارزة لـ«الأخبار» أنه إلى «جانب الضغط الكبير الذي تقوم به السفارات الأوروبية مع التهديد بفرض عقوبات على لبنان في حال ترحيل السوريين»، بدأت قوى من المعارضة السورية في الخارج بممارسة ضغط إضافي من خلال التواصل مع الاتحاد الأوروبي، ومسؤولين في الإدارة الأميركية وحثّهم على فرض عقوبات على أي جهة لبنانية تعمل على ترحيل النازحين أو تقوم بتوقيف معارضين سوريين وناشطين وتسليمهم للدولة السورية. كذلك طالب المعارضون الحكومات الغربية بملاحقة القوى والشخصيات التي «تقود حملات عنصرية ضد الوجود السوري في لبنان». وجرت الإشارة في أحد اجتماعات واشنطن بالاسم إلى قوى وشخصيات من فريق 14 آذار، تتقدّمها القوات اللبنانية التي أبلغت الأميركيين بأنها في صدد «تعديل لهجتها» حيال الوجود السوري في لبنان.