قارب المعنيّون بالاجتماعات الملتئمة على هامش مؤتمر بروكسل، مضيفين وضيوفاً أميركيين وأوروبيين وعرباً، من بينهم لبنانيون، معضلة النزوح السوري على نحو مختلف، طاول التداعيات وتأثيرها على الاستقرار والأمن في المنطقة أكثر منها الالتفات الى الشقَّين الإنساني والمالي، المناقشَين في المؤتمر العلني في حضور الوفود الرسمية. لم تغب الشخصيات الأمنية في معظمها الى أخرى تداخلت اختصاصاتها الديبلوماسية مع الأمنية، ورغبت في الإصغاء الى وجهات نظر دول معنيّة مباشرة بالنزوح السوري، من بينها لبنان. على طاولة الاجتماعات، سمع المضيفون من ضيوفهم واقع ما يجري في بلدانهم وتأثير النزوح السوري عليها، ناهيك باطلاعهم على أرقام ومعطيات لم توحِ لدى ارفضاضها بتلقّف الأوروبيين والأميركيين مغازيها.قيل للمضيفين إن نزوح السوريين من بلادهم الى دول الجوار أضعف بعض هذه ولا يزال يعرّضها للخطر كلبنان، وأربك أخرى كالأردن، وأفاد ثالثة كتركيا لتوسيع نفوذها والإفادة من المكاسب، فيما أتاح النزوح لنظام الرئيس بشار الأسد مزيداً من الاطمئنان الى استقرار الداخل والتخلّص من أعدائه وخصومه المقاتلين والآمنين. مما سمعوه أيضاً: بعدما اقتصرت الأقليّة العلويّة الحاكمة لأكثر من نصف قرن من الزمن منذ عام 1970 على نسبة 15 في المئة من السكان، ارتفعت أخيراً الى 25 في المئة كي تقارب ربع المجتمع السوري على الأقل بفعل نزوح ما يزيد على سبعة ملايين سوري سنّي، يعرف الأوروبيون والأميركيون أن غالبيّتهم معارضون للنظام. بينما رام المضيفون الأوروبيون والأميركيون إظهار اهتمامهم بالتعويل على المعارضة السورية لفرض التغيير والإصلاحات على النظام عملاً بقرار مجلس الأمن 2254/2013، فضّلوا الصمت حينما خُيّروا بين طرازَي المعارضة التي يفضّلونها بديلاً من النظام ورئيسه الحالي: العلمانية المعدومة الأثر أو الدينية المتطرّفة التي ينظر إليها الغرب على أنها أنموذج الإرهاب.
في ما أدلى به المضيفون:
1 ـ إصرار الاتحاد الأوروبي على إبقاء النازحين السوريين في بلدان الجوار، الى أن يسلّم الأسد بإدخال الإصلاحات الجوهرية والانتقال السياسي في نظامه ينتقل به من مرحلة الى نقيضها على مستوى السلطات والصلاحيات والمؤسسات.
2 ـ تواصل الضغوط على نظام الأسد، سواء من خلال قانون قيصر أو من خلال منعه من التمكن من إعادة بناء ـ وإن جزئياً ـ لما لحق ببلاده من دمار من جراء الحرب السورية. في اعتقاد الاتحاد الأوروبي أنه «محقّ» في منع ملايين السوريين من العودة الى سوريا وتوفير مغريات البقاء لهم خارجها على أنه عامل ضاغط على نظام يُحرم من جزء أساسي من شعبه مشتّت في دول الجوار. ما راحوا يقولونه إنهم بذلك يعاقبونه ويمنعونه من التقاط أنفاسه ومحاصرته اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، ويحولون دون استعادته شرعيته الوطنية قبل تلك الدولية ما دام ربع البلاد خارجها.
3 ـ تمييز النازحين السوريين في بلدان الجوار عن أولئك الذين صار الى إدماجهم في مجتمعات أوروبية ومنحهم جنسية الدول التي وُطّنوا فيها. كان على لبنان أن يعقب بمقاربة مختلفة مؤداها أن الدمج المتاح للنازح السوري في تركيا والأردن تمثّل خطراً محدقاً على هوية لبنان وديموغرافيته وحساسية توازناته الداخلية، وهو ما بات يلمسه في الوقت الحاضر ويحاول مواجهته.
مسؤولون أوروبيون وأميركيون: تسوية غزة آتية، فتحضّروا لها وإلا...


4 ـ امتعاض الاتحاد الأوروبي من تطبيع تجريه دول عربية مع نظام الأسد الذي يحاول، من غير أن يفلح تماماً، الإفلات من حصار قانون قيصر وإعادة الاعتبار الى موقع سوريا في كنف الجامعة العربية. يكمن المأخذ الأوروبي في دعوة الأسد مرتين الى قمتين عربيتين على التوالي، وإعادة دول عربية بارزة علاقاتها الديبلوماسية معه كما تعيين سفراء، أضف التعاون الأمني البعيد من الاضواء معه.
5 ـ سمع لبنان من محدّثيه في الاجتماعات تلك على نحو تجاوز الخوض في مشكلة النزوح الى ما يجري في جنوبه، اختلط الترغيب فيه بالترهيب. دونما أن يحددوا موعداً قريباً أو بعيداً، قال المضيفون الأوروبيون والأميركيون إن على لبنان الاستعداد كي يكون حاضراً في تسوية غزة الآتية لا محالة، وستنعكس على المنطقة برمّتها، يقتضي به ملاقاتها باكراً كي ينخرط فيها شريكاً ولئلّا يتكبّد ثمناً مكلفاً. ما طلبه منه محدّثوه أيضاً فك ارتباط جبهة الجنوب بحرب غزة وإعادة الاستقرار الى حدوده الجنوبية مع إسرائيل في انتظار الوصول الى التسوية تلك. كشف هؤلاء أن التصعيد الذي يقوم به حزب الله يتسبّب في «أذيّة» إسرائيل على نحو متزايد يوماً بعد آخر، سواء باستهداف القرى الإسرائيلية أو استخدام أسلحة جديدة، يحمل المجتمع الغربي ولا سيما الاتحاد الأوروبي على التعاطف مع الدولة العبرية، دونما تفهّم الأسباب التي تقدّمها الحكومة اللبنانية بسكوتها على استمرار فتح الجبهة الجنوبية.
أضاف هؤلاء أن على لبنان أن لا يتوقع وقفاً قريباً للنار في غزة، ولن يقع بين ليلة وضحاها، وربما احتاج الى وقت طويل قبل بلوغ التسوية التي ستصل في نهاية المطاف ويخرج منها رابحون وخاسرون. جزموا للبنان أيضاً أن إسرائيل ماضية في حربها مع حماس الى أن تتمكن من التخلّص من «الإرهاب» الذي يهدّدها.