فيما تلتهب الجبهة الشمالية، ولا يزال أكثر من مئة ألف مستوطن مقيمين على خط النار في المنطقة الأمنية الإسرائيلية التي ترزح تحت ضربات حزب الله، ويخشون تسلل «قوة الرضوان»، قرّر جيش العدو تقليص عدد مقاتلي «الفرق المتأهبة» في المستوطنات القريبة من الحدود، التي لم يُخلَ سكانها بعد، مبقياً عليها «خط دفاع مقابل العدو».قرار الجيش اتُّخذ من دون تنسيق مع رؤساء السلطات المحلية للمستوطنات، ما يعمّق، وفقاً لموقع «واينت»، حالة فقدان الثقة. وفي هذا الإطار، قال رئيس المجلس الإقليمي للجليل الأعلى، غيورا زالتس، إنه «في وقت ينبغي أن نعزز الأمن والشعور بالأمن يجري الإضرار بهما»، محذّراً من أن تقليص عديد القوات «خطأ كبير، خصوصاً عندما يتصرف الجيش من دون تنسيق مع رؤساء السلطات، ويتخذ قرارات يمكن أن ندفع ثمنها باهظاً».
وطبقاً لقرار الجيش، ستُقلّص قوات «الفرق المتأهبة» من 28 مقاتلاً إلى 18 في المستوطنات البعيدة حتى 5 كلم عن الحدود، ومن 28 مقاتلاً إلى 4 فقط في المستوطنات البعيدة حتى 9 كلم. وعزا مسؤولون هذا التقليص إلى الحاجة إلى توفير المال الذي يُدفع كبدل أيام احتياط للعناصر، وإلى أنه «على ما يبدو فإن تهديد التسلل قد زال».
ومهمة هذه الفرق التي شكّلها وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، في الأيام الأولى للحرب، في إطار «حملة التسليح القوميّة»، حماية المستوطنات التي لا تزال مأهولة رغم وقوعها في دائرة خطر الصواريخ، من أي تسلل لـ«قوّات الرضوان»، وحماية رياض الأطفال والحضانات والمدارس وبوابات المستوطنة 24/7.
إحدى هذه المستوطنات، «موشاف (بلدة) عين يعكوف (يعقوب)» في الجليل الغربي، المستوطنة المأهولة الأقرب إلى الحدود (8 كلم) منذ أن أُخلي سكان المستوطنات المحاذية من منازلهم. وقد أنشأ جنود «الفرقة المتأهبة»، الذين جُنّدوا من احتياط الجيش الإسرائيلي، «معسكر حرب» محصناً في غضون يوم واحد، وجهّزوه بمولّدات كهربائية ومعدات إنقاذ وعدّة إسعافات أوليّة، كما جهّزوا مخازنهم بالمواد الغذائية والمعلّبات لحالات الطوارئ.
أمّا لماذا فعلوا ذلك؟ فالسبب كما يوضح عضو الفرقة غابي يعكوف، في مقابلة مع موقع «واينت»، هو أن «الجميع أوضحوا لنا أنه في حالة الحرب لن نتلقّى استجابة من أي طرف!». وسأل: «والآن ما الذي فعله (الجيش) بتقليصه القوات؟ كل المستوطنات التي نجت من مجزرة غلاف غزّة تمكّنت من منع تسلل مقاتلي حماس بفضل الفرق الاحتياطية».
من جهته، أوضح رئيس مجلس المستوطنة، وعضو الفرقة المتأهّبة فيها، تساحي إلياهو، أنه «بفضل تبرعات منظمة الصندوق القومي اليهودي (كاكال) وغيرها، تمكنّا من شراء مجموعة من الكاميرات الأمنية والسترات والخوذات ومعدات لحماية حوالي 1500 شخص من سكان عين يعكوف»، مشيراً إلى «أننا نقوم بثلاثة تدريبات أسبوعية، مثل التدرّب على القتال وجهاً لوجه، والرماية الحيّة... إذ يمكن أن يصل الرضوان (يشير الإسرائيليون إلى قوات الرضوان بالاسم الأول، باعتباره شخصاً) إلى هنا في غضون ثماني دقائق، وفي غضون ثوانٍ قليلة يمكنه أن يصل على متن طائرة شراعية». وتساءل: «(بعد تقليص القوات) من سيكون هنا لحماية 150 طفلاً في روضة الأطفال والحضانة في وسط الموشاف؟».
أمّا زوجته ريفيتال يعكوف، وهي متطوعة في فريق الطوارئ، فقالت: «رأينا جميعاً ما يحدث عندما لا يكون هناك جيش في المستوطنة»، موضحةً «أنا ممن هُجّروا من غوش قطيف، عشت في (مستوطنة) نيسنيت (في غزة) وأتذكر كل الوعود التي تلقيناها عندما أخرجونا من منازلنا. أخشى، ولم أعد أصدق، أنه سيكون هناك آخرون سيأتون لإنقاذنا في أوقات الخطر... لقد أصبحنا الخط الأول للعدو».
الجيش ارتكب خطأ كبيراً ويتخذ قرارات يمكن أن ندفع ثمنها باهظاً


وفي السياق، قال عضو الفرقة المتأهبة في المستوطنة، إيتَمار يعكوب إنه «بمجرد تفكيك الفرق الاحتياطية، سيعرف الأعداء أن هذا هو وقت الهجوم. حتى الآن، تمكّنا من إقامة ردع في كل المستوطنات، والعدو يعلم أن هناك قوات مسلحة في كل مستوطنة، والآن (بعد تقليص القوات) مع ماذا يتركوننا؟».
أمّا موشيه رحاميم الذي لا يرفع عينيه عن شاشات الكاميرات الأمنية المحيطة بالمستوطنة، فذكر في حديثه مع الموقع أنه في إطار تعلم الدروس والاستعداد لـ«يوم الأمر»، يقوم هو وزملاؤه بدراسة إخفاقات الفرق المتأهبة في «غلاف غزة» خلال هجوم «طوفان الأقصى». واضاف: «قمنا بالأمس فقط بعرض فيلم حول أداء الفرقة المتأهبة في كفار عزة. لقد رأينا كيف أنهم فقدوا نصف الفرقة خلال أقل من 20 دقيقة لأن المستودع الذي خزّنوا فيه السلاح كان في وسط المستوطنة واضطروا لأن يهرولوا إلى هناك لأخذ أسلحتهم. لا أثق بأن أحداً غيرنا سيقدّم لنا المساعدة».
إلى ذلك، اتهم رئيس كيبوتس «شامير» في الجليل الأعلى، عوفيد بن زئيف، الجيش بأنه اتخذ قراراً «منفصلاً عن الواقع»، إذ «لا ينبغي أن نتوقع من الفرق الاحتياطية التي بقيت أسلحتها معها، ولكن دون تمويل أن تستمر بالعمل طوعاً... الناس مرهقون بالفعل، وأدعو رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو لأن يأتي إلى هنا ليرى بنفسه كيف يحترق عمق الحولة».