على ان زيارة لودريان اليوم تعرّج على بضعة معطيات قديمة وجديدة:
اولها، اظهار باريس، وان هي عضو في الخماسية الدولية، ان لها امتيازاً خاصاً لدورها في لبنان. تتساوى مشاركة السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو مع زملائه الاربعة في اجماعهم على موقف موحد من الاستحقاق الرئاسي وطرح الحلول والمواصفات والخيارات بما لا يفصح عن بعض الفروق بينهم - وربما التباينات - في مقاربتهم له. الاضافة التي تقدمها مهمة لودريان انه الممثل الشخصي للرئيس وموفد فوق العادة عاكساً اهمية لبنان لدى فرنسا قلما يعبّر عن مثيلها السفراء الآخرون. ذلك ما تبرزه من حين الى آخر دعوة مسؤولين وقيادات لبنانية الى باريس لمناقشتها في مآزق الداخل وسبل المساعدة على حلها.
ثانيها، يعرف الفرنسيون معرفة حقة انهم لم يوصلوا يوماً مرشحاً لهم الى رئاسة لبنان على غرار الاميركيين والمصريين والسوريين في العقود المتوالية، ما خلا واحداً فقط هو الرئيس الاول للجمهورية اللبنانية شارل دباس عام 1926 في ذروة انتدابهم على البلاد، فرأسوا ارثوذكسياً لا مارونياً. بعدذاك انقطع اي اثر وتأثير لدور فرنسا في الاستحقاقات الرئاسية المتعاقبة بما فيها وصول اعرق فرنكفونيين هما فؤاد شهاب وشارل حلو بارادة اميركية - مصرية ثم مصرية. عاد الدور الفرنسي الى الظهور للمرة الاولى قبل عقد ونصف عقد من الزمن منذ ما قبل شغور 2007 وبعده ولم يحصد سوى الاخفاق. آنذاك يتذكر اللبنانيون اسماء معاوني الرئيس نيكولا ساركوزي عملوا على الاستحقاق: برنار كوشنير، جان دافيد ليفيت، كلود غيان، جان كلود كوسران. بعده اهتم خلفه الرئيس فرنسوا هولاند بتسوية استعجل مباركتها ولم يكتب لها النجاح سوى ايام عام 2015 بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية. اما الرئيس الحالي فهو الاستحقاق الاول امامه. قبل هؤلاء جميعاً فشل الرئيس جاك شيراك في منع تمديد ولاية اميل لحود عام 2004 عشية صدور القرار 1559.
مكمن ضعف الدور الفرنسي واستحالة مقدرته على الحسم وعلى التأثير المباشر حتى، غير المعطى له، في عدم وجوده في الدولة العميقة للبنان الموزعة الآن - بعد خروج سوريا - على واشنطن وايران والسعودية سواء من خلال نفوذهم على افرقاء يدينون بالولاء لهم واستجابة هؤلاء مصالح اولئك، او دورهم في تعيينات حساسة تتحكم بالسلطات والمؤسسات والاستحقاقات.
جنبلاط في الدوحة: لا يحق لي ادبياً طرح اسماء مرشحين
ثالثها، معلومات عن نتائج زيارة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لقطر الاسبوع المنصرم حيال ما تطرّق اليه مع مضيفيه المسؤولين الكبار هناك. بعض هذه المعلومات تحدّث عن محاولة الدوحة الحصول من جنبلاط على اقتراح بأسماء محتملة للرئاسة من موقعه المحايد عن الانقسام والصراع القائمين في البلاد يساعد على توافق طرفيْ النزاع على احدها، انطلاقاً من تأكيده مراراً ضرورة التوصل الى تسوية لانتخاب الرئيس. جوابه المقتضب انه، بما يمثل كطائفة وفريق سياسي، ليس الجهة التي يحق لها ادبياً اقتراح مرشح او اكثر لرئاسة الجمهورية. في حيثيات موقف جنبلاط ان انتخاب الرئيس في الاستحقاق الحالي، لا شبيه له في اي مرحلة سابقة ولا يقتصر حصوله على الآلية الدستورية دونما الاخذ في الحسبان واقع موازين القوى الداخلية وازمات المنطقة وتدخلاتها فيها. فُهِمَ موقفه ايضاً على ان دخول اي طرف جديد في لعبة تداول الاسماء ان لم يُخرِّب الاستحقاق فهو يؤدي الى نتيجة معاكسة لما هو متوقع منه.
منذ ما قبل الشغور عام 2022 لم يشأ جنبلاط الجهر بمرشح تمسّك به منذ اليوم الاول وفي قرارة نفسه انه سيُنتخب رئيساً للدولة كميشال معوض والوزير السابق جهاد ازعور. حَسِبَ سلفاً مذذاك في ظل الموقف الاول المعلن للثنائي الشيعي وهو الورقة البيضاء ثم تبنيه لاحقاً ترشيح فرنجية، ان لا انتخاب وشيكاً للرئيس. في تاريخ البيت كان لكمال جنبلاط مرشحون دائمون: حميد فرنجية عام 1952 لتفادي كأس وصول رفيقه في الجبهة الاشتراكية الوطنية كميل شمعون، وجان عزيز وجميل لحود في الاستحقاقات التالية حتى آخرها في حياته عام 1976 بترشيح العميد ريمون اده. بدوره جنبلاط الابن قبل ان يمسي نائباً رشح عام 1988 - وان من باب المناورة - عضو حزبه انطوان الاشقر، وفضّل عام 1989 رينه معوض على الياس هراوي، ومالَ عام 2007 الى قائد الجيش ميشال سليمان، ورشح عام 2014 - من باب المناورة كذلك - هنري حلو.