انضم التيار الوطني الحر «رسمياً» إلى نادي الأحزاب السياسية اللبنانية، مع توسيع صلاحيات رئيس الحزب ليحق له وحده أن يختار المرشحين المفترضين إلى الانتخابات النيابية. وصوّت المجلس الوطني للتيار، الأربعاء الماضي، على 9 نقاط أُقرّت جميعها بأكثر من ثلثَي الأصوات (551 صوتاً من أصل 653)، لإدخال تعديلات على نظام الحزب الداخلي. وتمحور التعديل الأساسي حول «آلية الانتخابات الداخلية وحقوق المنتسبين ومهام وصلاحيات الرئيس في هذا المجال»، أي ما يتعلق بآلية اختيار المرشحين، إذ جرت العادة منذ إقرار النظام عام 2015 أن يتم انتقاء المرشحين وفق انتخابات تمهيدية موزّعة على 3 مراحل: الأولى يصوّت فيها الحزبيون (حاملو بطاقات الانتساب) كلّ في قضائه للمرشحين الذين أعلنوا رغبتهم بالمشاركة، والثانية تتم الاستعانة فيها بشركة إحصاءات مستقلة لاستفتاء الناخبين (حزبيين ومؤيدين) هاتفياً حول المرشحين ومعرفة أصحاب النسب العليا، وفي الثالثة تُستمزج آراء كل الناخبين في القضاء أو الدائرة مهما كانت ميولهم السياسية على لائحة الأسماء التي يُضاف إليها مرشحون مستقلون مقرّبون من التيار. هذه الآلية التي اعتُمدت في آخر استحقاقين انتخابيين، خضعت لتعديل جوهري يقضي بإلغاء المرحلة الأولى ليصبح القرار الأول والأخير بانتقاء المرشحين إلى الانتخابات النيابية بيد لجنة مختصة ترفع الأسماء إلى الرئيس جبران باسيل لينتقي منها، فيما أبقي على تكليف شركة استمزاج آراء الناخبين من دون تحديد الآلية التي ستُجرى على أساسها.بعض النواب والناشطين رأوا في التعديل «دفناً لآخر إجراء ديمقراطي في النظام الداخلي عبر إحكام قبضة باسيل وتحكّمه بآلية اختيار المرشحين التي كانت تتّسم بنوع من الديمقراطية وتتيح لأي ناشط عوني في منطقته أن يطمح بفرصة الترشح وربما النيابة». واعتبر هؤلاء أن هذا الإجراء «سيقتل طموح الشباب ويقلّل من حافزيتهم للعمل طالما أن العصمة في يد القائد».
في المقابل، يؤيد آخرون تعديل آلية الانتخابات التي «تسببت بمشكلات داخلية وانشقاقات قبيل نحو 3 أشهر من موعد الانتخابات النيابية، ما أثّر على تضامن القاعدة الحزبية وجعلها في بعض الأحيان تمتنع عن التصويت لمرشح ما من منطلق النكايات وتسجيل الموقف. حتى إن البعض تقدّم باستقالته من الحزب نتيجة عدم اختياره ولو كان حائزاً على 20 صوتاً في منطقته، بعدما اعتبر بعض المرشحين أنهم الأولى بالاختيار والأكفأ، وأن أسبقية انتسابهم إلى التيار ومسيرتهم النضالية تحولان دون خضوعهم لاختبارات».
وتقول مصادر حضرت اجتماع المجلس الوطني (يضم الرئيس ونائبيه ونواب التيار ووزراءه والنقباء الحزبيين وأعضاء مجالس الأقضية وممثلي الانتشار والمرأة والمهن الحرة وقطاع الشباب إلى جانب رؤساء البلديات وأعضاء المجالس الحزبيين والمخاتير) إن توقيت عقد الجلسة والتعديلات التي أدخلها باسيل على النظام يعود كل ذلك بالدرجة الأولى إلى «نيته تسمية المرشحين إلى الانتخابات في فترة أقصاها نهاية آب المقبل، وعدم تأجيل انتقاء المرشحين إلى ما قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات». ويؤكد هؤلاء أن رئيس التيار كان يعتزم خلال مؤتمر التيار في آذار من العام الماضي أن يطلق على هذا العام تسمية عام الانتخابات، إلا أن دخول لبنان في الحرب ضد العدو الإسرائيلي أدّى إلى تأجيل الأمر. لكنه لن ينتظر طويلاً لإدراكه ضرورة تحرّك المرشحين خلال فصل الصيف والعمل ضمن أقضيتهم وقواعدهم الشعبية قبل فترة طويلة من موعد الاستحقاق، وهو ما سيكون همّه الأول في الأشهر المقبلة.
كذلك أدخل باسيل تعديلاً على «واجبات الأعضاء المنتسبين بتعهّد من يتسلمون مناصب رسمية بالالتزام بسياسة التيار وقراراته». تلقائياً، يُعد هذا التعديل موجّهاً إلى النائبين الياس بو صعب وآلان عون اللذين أحيلا إلى مجلس الحكماء لتصويتهما بعكس قرار التيار خلال جلسة مجلس النواب في حزيران الماضي لانتخاب رئيس للجمهورية. إلا أن ثمة من يضعها في إطار أكبر، مشيراً إلى أن «هذا القرار كان يُفترض أن يُتخذ منذ قيام نواب ووزراء بانتقاد قرارات الحزب علناً وتصريحهم بعكس ما يقرره، ثم تبرير سلوكهم ببدعة التمايز والديمقراطية». ولفت إلى أن «التمايز يكون داخل حلقات النقاش حصراً ولا يفترض أن يخرج إلى الإعلام للمناكفة». علماً أن المادة المتعلقة بالهيئة العامة وواجبات الأعضاء في النظام الأساسي تلزم بـ«تنفيذ القرارات الحزبية على اختلافها بدقّة وأمانة»، فيما تذكر المادة المتعلقة بفقدان العضوية أو الطرد من مجلس التحكيم «مخالفة قرارات القيادة الحزبية، مخالفة أي بند من بنود نظام التيار أو مقرراته، تشويه صورة التيار قولاً أو عملاً».
وشملت التعديلات إضافات على أهداف التيار وصلاحيات أمناء السر في مجالس الأقضية وبعض التفاصيل التنظيمية، ووضعت حدّاً أدنى من الحضور لاجتماعات المجلس السياسي والهيئة السياسية ومجالس الأقضية. فمنذ مدة لم يعد النواب والوزراء الحاليون والسابقون الذين يُعدّون أعضاء تلقائيين في المجلس السياسي يحضرون الاجتماعات، وبات الحضور يقتصر على الأعضاء الستة المنتخبين من المجلس الوطني فقط، رغم أن هذا المجلس يُعدّ السلطة السياسية العامة في التيار ويُفترض أن تؤخذ كل القرارات من خلاله. أما اجتماعات مجالس الأقضية التي تضم المنسّقين وأمناء السر ومسؤولي العلاقات العامة في كل قضاء إضافة الى نواب المنطقة ورؤساء البلديات والمخاتير فلم تعد تنعقد أبد؛ بينما يجب على مجلس القضاء أن يلعب دوراً سياسياً سواء من خلال آلية العمل في المنطقة أو التنسيق المفترض بين النائب والمنسّق ورئيس البلدية.