إنه س. ف. ج. وقد أطلّ بكامل قيافته الدموية.إنه س. ف. ج. نفسه الذي يحرص على التباهي بأنه لم يبدّل ولم يغيّر لا في «قناعات» الإجرام التي اعتنق، ولا في «مبادئ» الفتنة التي حمل، ولا في «أفكار» الإبادة التي امتشق.
إنه س. ف. ج. الثابت على «قضية» الحقد و«تاريخ» الكراهية و«أمانة» الفتنة و«ثقافة» الغدر و«فنون» القتل و«علوم» السحل و«أصالة» التصفية و«نذور» الإبادة.
إنه س. ف. ج. الذي لا (ولم ولن) يتخلّى عن «الزيتي» الإسرائيلي الذي ناله بعرق الجبين وسهر الليالي وصلوات الآحاد التي خضّبها بالدم والدموع.
إنه س. ف. ج. نفسه صاحب «السكاكين الطويلة» التي وصلت الليل بالنهار، وصانع ليالي «الكريستال» و«الزجاج المهشّم»، وزارع «العبوات» ومفجّرها في الكنائس والأديرة والبيوت...
إنه نفسه س. ف. ج. المسؤول عن سفك دماء طوني سليمان فرنجية وداني كميل شمعون (من غير أن ننسى زوجته إنغريد عبد النور وطفليه طارق وجوليان) والياس الزايك والمونسنيور ألبير خريش وخليل كنعان وغيث خوري و... سلسلة لا نهاية لها من الجرائم التي لم توفر لا حجراً ولا بشراً، بل وصلت إلى حرمات البيوت ودور العبادة الآمنة والمستأمنة.
إنه س. ف. ج. صاحب «الأقدام التهجيرية»، وفارس الهزائم المجانية، وقائد المعارك الدونكيشوتية الذي استبدل صليب الفداء والتضحية بصليب القتل المشطوف.
إنه س. ف. ج. الذي لا يملك غير الإصرار المرضي على لوك الشعارات المجردة والافتتان الأبله بها.
إنه س. ف. ج. وقد أطل بكامل قيافته الدموية، وكأنه لم يسجن ولم يجرّم بقتل الآمنين والمصلّين في «سيدة النجاة» وفي غيرها وتفجيرهم. فها هو، ومن على المنبر إياه، منبر المتاجرة بالدماء والرقص على الأشلاء، يعلنها واضحة ومدوّية: الحرب... الحرب... الحرب...
يقول عالم الجريمة الإيطالي الشهير تشيزري لمبروزو في واحدة من خلاصاته المهمة إن معالجة السلوك الإجرامي تحتاج إلى ما هو أبعد من العقاب. فمرتكب الجريمة، بحسب العالم الإيطالي المرجع، يفتقد إلى حرية الاختيار. لذلك، يوصي بوجوب مواجهة المجرم بالتدابير التي تتجاوز طابع اللوم الأخلاقي أو الإيلامي عبر طريقتين: الأولى، عبر شلّ عوامل السلوك الإجرامي للمجرم، والثانية باستئصال المجرم إذا ما اتضح أن خطورته الإجرامية متأصلة فيه.
لعل في خلاصات لمبروزو التعيين الوصفي الدقيق والمطابق لواقع وحال المدعو س. ف. ج. من هنا يتوجب على اللبنانيين، جميع اللبنانيين، أن يتنبهوا إلى مخاطر الإطلالة الأخيرة لهذا البائس الذي يتوهّم إمكانية استعادة «مجد» القتل، و«شرف» التهجير، و«إرادة» الاستمرار التي أودت بحياة جيل كامل، سواء بالقتل أو عبر بعثرته في المنافي البعيدة، وها هو اليوم يتهدد «أجيالاً لم تولد بعد» بما هو أشد وأخطر من كل ما سبق.
س. ف. ج. مثال آخر على صدأ الروح وخواء النفس وسواد القلب واستنقاع السريرة الطافحة بالدم.
ربما كان على القاضي النزيه والطيب فيليب خيرالله الأخذ بتوصية لمبروزو بدلاً من الرهان على إصلاح أثبتت الأيام أنه من سابع المستحيلات مع من هم على شاكلة س. ف. ج.