في الساحة المؤدية إلى المعتقل، ازدحم زبائن أمام مطاعم ومحال بيع اللحوم والفروج والخضر. أراد النازحون التزوّد بحاجاتهم من الخيام قبل عودتهم إلى أماكن نزوحهم. يشير علي غريب إلى أنه لم يقفل ملحمته ولو يوماً واحداً رغم إصابة محله بأضرار خلال القصف المتكرر على الساحة بقذائف فوسفورية. لم ينتظر انتهاء العدوان ليرمّم الأبواب «على الماشي» ويستأنف عمله. لم «يقطع» زبائنه من اللحوم التي يحضرها من النبطية وأحياناً من البقاع بعد تدمير مسلخ الخيام جراء الغارات المتكررة. صحيح أن المبيعات تراجعت، «لكنّ الخيام أفضل من غيرها».
لم تفقد الخيام موقعها كسوق مركزي لمحيطها حتى في عز العدوان. يستعرض غريب المحال التي لا تزال مفتوحة لتأمين مختلف الحاجات من الألبسة والأطعمة إلى الحلاقة والصيدلية وتحويل الأموال وورشة لتصليح السيارات. قبل أسبوع، احتفل بزواج ابنته: «الحياة بدها تستمر ونحن تعوّدنا». ملحمته نفسها التي أسّسها جده في الخمسينيات في الساحة القديمة، سُويت بالأرض عام 2006 وأعاد افتتاحها في الساحة الجديدة. يقول: «الخيام دُمرت أربع مرات بسبب إسرائيل. في أوائل السبعينيات، تهجّرنا سبع سنين بسبب مناصرتنا للقضية الفلسطينية ثم ارتكبت إسرائيل المجزرة في عام 1978 واحتلت أرضنا. وفي عام 2006، دمّرتنا كلياً. وبعد كل دمار وقتل، كنا نقوم من جديد».
في الشارع المؤدي إلى المعتقل، جلس حسين صادق أمام محله لبيع الأدوات المنزلية برفقة سيدتين. لم تنقطع السيارات عن المرور في الشارع المصنّف «خط تماس» بسبب الغارات التي تستهدف محيط المعتقل في نهايته. يقيم صادق في منزله في الطبقة العلوية للمحل الذي أقفله خشية تضرر البضاعة، وأعاد افتتاحه قبل أسبوع لشعوره بأن «الفرج اقترب».
حوالي 100 عائلة بقيت في الخيام من أصل خمسة آلاف مقيم بشكل دائم
على شرفة منزلها، جلست نسرين جعجع تدعو المارة للاستراحة وتناول القهوة. تتعامل مع من نزحوا كضيوف، وتتفاخر بصمودها. «نزحت لمدة شهر إلى النبطية بعد القصف الذي استهدف الساحة ومنازل قريبة منا. لكنّي عدت سريعاً. هناك صوت قصف وهنا صوت قصف». في ساحة الـ«داون تاون» أو «دي تي» كما يطلق عليها شبان الخيام، هناك محل واحد لا يزال يفتح أبوابه. يستغرب العامل في محل الحلاقة سؤالنا عن سبب صموده مع صاحب المحل بعد أن تعرّضت الساحة للقصف، «عادي»، يقول ببساطة.
يقول مختار الخيام أحمد زريق لـ«الأخبار» إن حوالي 100 عائلة بقيت في الخيام من أصل خمسة آلاف مقيم بشكل دائم. وفي إحصاء أخير، سُجل تدمير 15 منزلاً بشكل كلي وتضرر حوالي مئة منزل بشكل جزئي. أرقام يعتبرها كثر قليلة مقارنة بالدمار الشامل الذي تعرّضت له البلدة في عدوان 2006، لأن «المقاومة حصّنت الخيام في هذا العدوان من التدمير بسبب الردع الذي فرضته بوجه إسرائيل».
إلى ذلك، واصل حزب الله أمس عملياته اليومية ضد مواقع وثكنات وتجمعات جنود العدو الإسرائيلي على طول الحدود مع فلسطين المحتلة. وفي سلسلة بيانات متلاحقة أعلن الحزب استهداف موقع الراهب وتجمع لجنود العدو في محيطه بالأسلحة الصاروخية. كما استهدف تموضع قيادة سرية مستحدث خلف ثكنة برانيت، وتجمعاً لجنود العدو في خلة وردة، إضافة إلى موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة، ومجموعة من جنود العدو أثناء قيامهم بعملية تحصين لموقع المرج بقذائف المدفعية وأوقع فيهم «إصابات مؤكدة».
ونعى حزب الله الشهيد حسن إبراهيم علول من بلدة السكسكية في جنوب لبنان.
وأطلقت مدفعية جيش الاحتلال صباح أمس، نحو 60 قذيفة فوسفورية و20 قذيفة مدفعية ثقيلة، كما أطلقت دباباته نحو 20 قذيفة مباشرة على بلدة عيتا الشعب. وأعقبت كثافة الاعتداءات تلك عملية صباحية نفذها حزب الله ضد مواقع لجيش العدو في القطاع الأوسط، ما فُسّر على أنه رد فعل إسرائيلي متوتر على إصابات مؤكدة في صفوفه.
واستهدفت مدفعية العدو بلدة رامية، والأطراف الجنوبية لبلدة بليدا، والمنطقة الواقعة بين بلدة الوزاني ومنطقة الحمامص، والأطراف الجنوبية لبلدة حولا، والحي الجنوبي لمدينة الخيام. فيما شنّ الطيران الحربي المعادي غارتين بالصواريخ استهدفتا مرتفعات الهبارية وأطراف كفرحمام.