«أقسم بأن أظلّ بعيداً عن جميع أعمال الظلم المتعمّد»هذا المقطع من قسم أبقراط تحوّل مع الزمن إلى شعار مجوّف وأقرب إلى شهادة مرور لممارسة مهنة الطب. لكنّ العدوانية الإسرائيلية في غزة وضعته أمام امتحان تقييم جديد ومقياس إضافي أساسي من عمق سياسي – تربوي، يتخطّى وصايا القسم الأخلاقية والإنسانية وأدبيات التعاطي مع المريض، بحيث أظهرت التأثير الشديد لمعنى الانتماء وتربيته الحاضنة والضامنة لصدق ممارسة القسم، فجاء التمايز واضحاً كل الوضوح ما بين طبيب غزة المحصّن بأشرف وأنبل قضية محقّة، وهي القضية الفلسطينية، والطبيب الإسرائيلي المُلوّث تفكيره والهجينة تربيته، والمشحون بالعنصرية والحقد والروح العدوانية والظلم اللامحدود. حتى وصل به الأمر إلى حدّ المطالبة، عبر وثيقة موقّعة، بقصف مستشفيات غزة، بمرضاها وعامليها من أطباء وممرّضين وموظفين. وهذا أبشع أشكال الظلم، خصوصاً إذا صدر عن أطباء يعون ويعرفون واقع المُستشفيات بحكم عملهم، لكنّ جيناتهم الخلقية تحمل فوقية وازدراءً للغير.
لقد ساهم الجسم الطبي الإسرائيلي في جرائم الحصار والخنق المتدرّج للمستشفيات وخاصة مجمّع «الشفاء»، وانتهى باقتحام عسكري وتدمير في مختلف الأقسام. وقد تمّ ذلك برعاية ومباركة أميركيتيْن معلنتيْن هذه المرة، ما يعفينا من اتهامنا بنظرية المؤامرة من قبل المنافقين والمرتزقة والمشبوهين في الحقل الصحي وغيره!
مقابل ذلك، مواقف طبية لبنانية وعربية وعالمية غلب عليها الصمت. وهي عادة مزمنة من حيث الابتعاد عن القضايا الاجتماعية المحقّة التي تشكل البنية التحتية للمواقف السياسية، وخصوصاً ملف الفساد الصحي وجرائمه التي لا نخجل من وضع بعضها في مقارنة ما يجري في غزة، فما الفرق بين توقف المستشفى التركي المعنيّ بمرضى السرطان في غزة نتيجة فقدان الوقود والأدوية، وعدم إطلاق العمل في المستشفى التركي لمرضى السرطان في صيدا، المُنجز والجاهز منذ عام 2010؟
وهنا نسأل: أين هي المنظمات الصحية الدولية، ونقابات الطب العربية التي تُستخدم منصةً للوصول السياسي أو لتعبئة الجيوب؟ وأين هو اتحاد الأطباء العرب الغائب والمنسيّ؟ وأين هي الجامعات والمعاهد الأكاديمية وقيمها؟
أطباء غزة وضعوا عنواناً ومقياساً للشرف والكرامة في ممارسة مهنة الطب، وأنصفوا رسالة المهنة التي هجرها الكثيرون.