وصف الشهيد باسل الأعرج عميرة هاس بأنها «لا تختلف أبداً عن أي مثقف من مثقفي المستعمِر، ولا عن أي أستاذ من أساتذة الأخلاق الذين يتقاطرون علينا ليعطونا الحلول والبدائل ودروساً في الأخلاق والإنسانية وأساليب النضال. وهي ليست إلا جندياً في المعركة الخلفية التي يُطلقها المستعمِر في ميدان الثقافة والقيم. تعترف بـ«حقوقك» لكن بشروط، وأهم شرط هو أن تظل تدور في فلكها وألّا تحاول التمرد على ما تلقّنه لك، وصار لزاماً على المستعمَر من أجل هضم ثقافة مضطهديه أن يقدّم ضمانات، من بينها تبنّي أشكال التفكير الخاصة بالبورجوازية الاستعمارية التي تمثلها هاس، ولا تضيّع الفرصة أبداً في سبيل تطبيق مقولة: المستعمِر هو الذي صنع المستعمَر وما يزال يصنعه». في هذا النص قراءة لمستويات التغطيات المنحازة و«المتعاطفة» في آن مع فلسطين، والتي تتكلم وتتصرف كعميرة هاس، بلسان عربي

إعلام خارج الصندوق
بالنسبة إلى منصات إعلامية مثل «درج» و«ميغافون»، هناك تباين في لغة التغطية عندما يتعلّق باستخدام مصطلحات شهيد ومقاوم وعدو، امتازت بها «ميغافون» (بصورة متذبذبة. فقبل أيام، مثلاً، قررت المنصة استخدام مسمى «مقاتل» بدل مقاوم لوصف مقاومين فلسطينيين ولبنانيين، ونفت صفة الشهادة عنهم وعن الشهداء اللبنانيين المدنيين كذلك). لكن الرسالة الأعم والتوظيف السياسي موحدان. بالنسبة إلى كليهما، لا يوجد وقت سيء ولا مأساة ودماء فوق أجندات الممولين. في ما يخص سوريا مثلاً، استغلت «درج» الأحداث لضرب عدد من العصافير بحجر أميركي واحد ضد سوريا والمقاومة وتأكيد ديمومة النزوح السوري، ونشرت نصاً وفيديو يقولان إن العدو يستلهم إجرامه من «نظام الأسد»! بالنسبة إلى «ميغافون، تظاهرات السويداء مرتبطة بغزة بصورة عجائبية ما… بينما تبدو العلاقة الوريدية بين محور المقاومة ومقاومات غزة غير مرئية. فحركات المقاومة في غزة تتسلّح وتتدرب وتتطوّر في فقاعة من الفراغ والعدم، ولا محور ولا من يحزنون وراء الطوفان. سقطة أخرى مشتركة بين «درج» و«ميغافون» هي التصوير - التمثيل: من يمثل الفلسطيني ومن يمثل الصهيوني؟ بالنسبة إلى «درج»، الوقت رائع لتزكية شخصية استعمارية مقيتة مثل عميرة هاس لمجرد انتقادها السطحي لتوحّش الاحتلال وعنصريته. في مقابلها، تضع «ميغافون» عايدة توما في مقطع تستجدي فيه المساواة أمام الكنيست بين الطفل الفلسطيني والطفل الصهيوني، بترويج خطاب الضحية وسياسة الأسرلة اللذين تتبناهما توما وحزبها. في قضية الأسرى، انحازت «درج» كاملاً للرواية الصهيونية في ما يخص أسرى الإسرائيليين واستهداف المقاومة للنساء والأطفال، وتشترك مع «ميغافون» بإغفال وعد المقاومة بتبييض السجون الصهيونية من الأسرى الفلسطينيين مقابل الأسرى الصهاينة. تمايزت «ميغافون» بالإضاءة على معاناة الأسرى داخل سجون العدو والتنكيل بهم. وهنا ملاحظة عن التغطية بمجملها لدى الطرفين، وهي التركيز على خطاب الضحية والاستجداء، وإغفال إنجاز المقاومة والانتصار التاريخي الذي حققته. تمايز «ميغافون» بلا معنى إذا نظرنا إلى مشروعها بمنظور أوسع، إذ تروج للمطبّعين على مدار الساعة ثم تدين التطبيع في كل تصعيد كبير على الساحة الفلسطينية. كما تعطي لنفسها حق توزيع «شهادات» الشهادة، فلا تعترف بأن مقاومي «حزب الله» مقاومون وأنهم يستشهدون، وأن استشهادهم هو جزء من الدفاع والدعم لمعركة «طوفان الأقصى». عدد من التغريدات صيغت على نحو يبرر قصف العدو لجنوب لبنان كردّ على ضربات وجهها الحزب إلى العدو، بينما صورت ضربات الحزب للعدو بلا سياق. كما حرصت في تغريدة أن تضع مفردة «عدو» عند الحديث عن السياق الفلسطيني واستخدام مفردة «احتلال» في السياق اللبناني. كذلك قام عدد من المنصات البديلة بتغطية تظاهرات ضد السفارات الغربية، إلّا أن الحشد والدعوة توقفا على وقفة باهتة أمام الإسكوا للتضامن مع المتضامنين مع الفلسطينيين في الغرب. لبّ التغطية (بالنسبة إلى «درج» و«ميغافون») يتماثل مع ما يأتي على لسان المتحدثين (يسمون باحثين) بالعربية لدى مراكز التفكير الاستعمارية الأميركية (كارنيغي من أنشَطِها في لبنان): يجب إراحة العدو من الجبهة اللبنانية ليتسنى له التركيز على غزة. هذا جوهر ما سمعناه من مها يحيى وحنين غدار ومهند حاج علي، الذي نشرت له منصة «درج» مقطعاً يشرح فيه سيناريو توسع الحرب في لبنان، وهنا إبداع جديد في لوم حزب الله على جرائم العدو المرتقبة، إذ يرى الرجل أن الحزب مُلام لعدم وجود بنية تحتية يمكن للاحتلال استهدافها، وبتمرير صور للمرفأ بعد الانفجار، تمرر الرسالة الأكثر خبثاً بأن المقاومة تسبق الاحتلال في تدمير لبنان!

…وخارج المكان والزمان
«رصيف 22» أثبتت، كما دأبت في كل مواجهة مع العدو الصهيوني، أنها ماكينة حرب نفسية مع العدو، يعمل كتابها دائماً على تفكيك أركان العقيدة القتالية والروحية للصراع. تدين المقاومة من حيث المبدأ، وتشيطن من يدافع عنها. التاريخ الشخصي لعدد من كتابها يشي بمشروع المنصة بوضوح، كمنصة للفوضى الخلاقة في الدول العربية، وهي في الوقت نفسه منصة للصراع الحضاري الأنيق حصراً في أروقة المنظمات الدولية عندما يتعلق الأمر بفلسطين. مشروع تحرير فلسطين بالنسبة إليها مؤامرة إيرانية، وفي الآن نفسه، فإن دعم إيران لفلسطين وحركات المقاومة الفلسطينية يجعل من إيران الثورة مسؤولة عن انحياز المعارضة الإيرانية إلى الكيان الصهيوني، بلا أي ذكر لعلاقة هذه المعارضة بالشاه وابنه المتماهي مع العدو حتى النخاع. بالنسبة إلى «رصيف»، عملية «طوفان الأقصى» لم تحقق أي أهداف! وتشكك بأن الهجوم كان مفاجئاً بوضعه بين قوسين. ولا تتوقف هنا بل تلوم المقاومة على الجرائم الصهيونية بحق غزة، وتعتبر أن الغزاويين ضحايا لم يُستشاروا حول خيار المقاومة.

حقوقيّو الطبقة الناعمة
تغرد منظمة smex على نحو متواصل عن ضرورة فتح المجال السيبراني والحقوق الرقمية لغزة وفلسطين وداعميهم وطرق تجاوز الانحياز الرقمي والتعتيم الرقمي والجيوش الرقمية، لكنها لا تذكر لنا أنها منصة مرتبطة بصندوق التقنية المفتوح الممول من الخارجية الأميركية، وهذا الصندوق يعمل على الاختراق الرقمي للدول والمجتمعات المقاومة وعلى رأسها فلسطين ومحور المقاومة. وعلى ذكر الخارجية الأميركية، لا يكفي التماهي الفجّ لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع دولة الاحتلال، فهو أيضاً مؤسس شريك في west exec، وهي شركة تضع في صلب اهتمامها الربط بين وادي السيليكون والمنظومة الأمنية والاستخبارية والعسكرية الحكومية الأميركية. كما إن بين زبائنها شركات صهيونية تعمل في هذا السياق، بالإضافة إلى غوغل التي تدين smex تواطؤها في الجريمة.
أما «عيون سمير قصير»، فلم ترَ إلا «قتلى» من الصحافيين الذين يستهدفهم جيش العدو، فلا ذكر للشهداء، وحرصت صياغتها على منصة «إكس» أن تؤخر الفاعل في حال كان الاستهداف صهيونياً. وحتى عندما تعلق الأمر بالشهيد عصام عبدالله فإن إحدى التغريدات ذكرت الفاعل بالعربية بينما جهّلته بالنسخة الإنكليزية. أما إذا تعلق الأمر بادعاء أي اعتداء لـ«حزب الله» على حرية الصحافة، فالفاعل تقدّم الخبر. ولم ترَ «سكايز» التضييق على حرية الإعلام عندما قطع العدو الاتّصال والإنترنت عن قطاع غزة في إحدى أشرس ليالي القصف، أو التعتيم والقمع الإعلاميين الغربيين وشراكتهما في الجريمة الصهيونية (بما في ذلك استهداف الصحافيين)، ولم تجد حرجاً في مشاركة رسائل تعزية من السفارتين الأميركية والفرنسية بعد وفاة الإعلامية جيزيل خوري.
قضية تمويل هذه المنصات ملحّة، تحديداً في هذه الحرب التي تنخرط فيها الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى بالدعم والتخطيط والسلاح والإدارة، بل يمكن القول إنها تنخرط يدوياً. فجاجة هذا الدعم دفع عدداً من المنظمات الفلسطينية إلى إصدار بيان مشترك بالموقف الموحد الرافض للمساعدات الغربية. هذا الأمر يجب أن تُجابه به هذه المنصات: إلى أي حد أثرت فيكم المجزرة؟ هل تكفي كل هذه الدماء لرفض التمويل من القتلة؟