فوزي قليلات

أنهى فوزي قليلات (65 سنة) عمله في شركة التأمين في الحازمية عصراً. وعلى عادته منذ سنوات، توجّه إلى استراحة قريبة من المرفأ، ليشرب قهوته ويُطعم الحمام. أحسّ بهزّة خفيفة. حمل أغراضه وحاول المغادرة. وقع الانفجار وانهار عليه لوح زجاجي. بقي ساعتين مرميّاً على الطّريق حيث لفظ أنفاسه. تقول ابنته كاتيا قليلات: «نزلنا إلى الشوارع، وصرنا نبحث في كلّ مكان، بعد أربع ساعات من الانفجار، اتّصل بنا قريب لنا يعمل ممرضاً في أحد المستشفيات، وأخبرنا أنّه رأى والدي بين الشهداء!».
لم تتقبّل عائلة فوزي وفاته بعد. في كلّ صباح، «أصبّح» عبر الواتساب، وأسمع تسجيلاته الصوتية، وأتأمّل «صوره». تغصُّ، وتلملم كلماتها: «كان يهتمّ بنفسه وبصحّته، يمارس الرياضة، مْشبشِب ولَبّيس. كلّ الناس كانوا يحبّونه».

ماري فرحات


من غرفتها في مستشفى الروم، كانت ماري يوسف عون فرحات (79 سنة)، تُحادث ابنها وابنتها المقيمَين في الولايات المتّحدة عبر الهاتف. ما إن أغلقت الخطّ معهما، حتّى اهتزّت الأرض، ودوّى صوت انفجار قويّ. وقع كلّ ما في الغرفة عليها، وفارقت الحياة فوراً. في ذلك اليوم، كان ابنها يزورها في المستشفى. «تركتُ غرفة والدتي لزيارة قريبة لنا في المستشفى نفسه. في المصعد، ضغطتُ عن طريق الخطأ زرّ المدخل. عندما شعرت بالهزّة، خرجتُ من المصعد إلى مدخل المستشفى، ووقع الانفجار. المصادفة أنقذتني، أو ربّما صلوات أمّي!».
«الصدمة» لا تزال ترافق أولاد ماري وأحفادها الذين كانت تنتظرهم من شرفتها حتّى وقت متأخّر لتطمئنّ إلى رجوعهم إلى البيت.

روان مستو


كانت روان مستو (20 سنة) قد غادرت للتوّ منزلها إلى عملها في أحد مطاعم مار مخايل عندما دوّى الانفجار الضخم. عمّ الرعب وغطّى الدمار كل شيء. حاولت والدتها منى جاويش مراراً الاتصال بروان، بلا نتيجة. «توجهت إلى مكان عملها، وأنا أبكي وأصرخ. في البداية قالوا لي إنّها في حال جيدة لكنها فقدت وعيها. تنقّلتُ من مستشفى إلى آخر أسأل عنها دون أن أجدها. إلى أن وصلني خبر استشهادها». تبكي الأمّ وهي تسترجع ذكرياتها مع ابنتها. «روان إنسانيّة وخلوقة. عقلها أكبر منها، كنا جميعاً نستشيرها في أمورنا. كانت أحلامها كبيرة أيضاً، لكنّهم قضوا عليها في لحظات». لا تصدّق أم روان أنّ ابنتها رحلت، «لا أزال أدعو لها أن تصل إلى البيت بالسلامة. في الشارع كيفما تلفّتُّ يخيّل إليّ أنّني أراها».

وسام فيصل


قبل ثماني دقائق من الانفجار الكبير، أرسل وسام فيصل (45 سنة) تسجيلاً صوتيّاً إلى زوجته حنان محمد حاطوم ليطمئنّ عليها وعلى أولادهما. يومها كان يوم عطلته، هو الذي يعمل «شيف» صالة في أحد مطاعم الـ«داون تاون». لكنّ زميلاً له اضطر للتغيّب فكان عليه أن يسدّ غيابه. «كان يوماً مشؤوماً. صباحاً، قلت له لا تذهب. شعرتُ أنّ شيئاً ما سيحصل، فقال لا أستطيع أن أخذل زميلي. يجب أن أداوم مكانه» تقول حنان. دوّى الانفجار وأُصيب فيصل بجروح بعد وقوع لوح زجاجي عليه. في سيّارة الإسعاف، أجاب على اتّصال صهر زوجته، وقال له: «أنا منيح، ما تخافوا عليّ، بسّ انتبهوا عالولاد». بقي ينزف إلى أن فارق الحياة بعد نحو ساعة ونصف ساعة. قبيل منتصف الليل ، عرفت حنان أنّ وسام استُشهد. «الخبر قضى على عمرنا. حياتنا صارت كلّها يأساً».
بدأ وسام بالعمل عندما كان في الـ 15 من العمر. ظروفه المادية كانت صعبة، ومع بداية انتشار فيروس كورونا، بقي في المنزل عاطلاً من العمل لثلاثة أشهر. «كان عنده قطعة أرض، وأراد أن يبيعها، قبض دفعة مسبقة، ولمّا اقترب الفرج، وآن له أن يرتاح قتله الانفجار!». لوسام طفلان، لميس (8 سنوات) وبهاء (3 سنوات)، «كان حلمه أن يؤمّن مستقبلهما حتى لا يتعذّبا كما تعذّب».

خليل عيسى


كان خليل بشارة عيسى (54 سنة) يمارس عمله كالمعتاد في الصيانة في أَهراءات القمح في مرفأ بيروت عندما هاتفته زوجته ديانا القسيس. أثناء المحادثة عندما سمِعا صوتاً غريباً. طلبت ديانا من زوجها أن يغادر، فقال لها: «ما في شي... عم يقولوا فيه فرقاع (مفرقعات نارية)». فجأة، دوّى ذاك الصّوت. «اهتزّت الدنيا وانقطع الاتصال، فصرخت: راح خليل». وبالفعل صدق حدسها، لكن «من 4 إلى 15 آب لم نعرف عنه شيئاً ولم نعثر له على أثر. لم نعرف إن كان حيّاً أم ميّتاً. 11 يوماً لم ننم ونحن ننتظر خبراً». تحاول ديانا، رغم كلّ الألم، أن تمدّ أولادها بالقوّة. «ابنتي لديها هذه السّنة امتحانات رسميّة. أقول لهم إنّ روحه معنا». كان خليل يقول لي: «الإنسان بيكبر، وبسّ بدّه يجي يرتاح بغرّقوه!».