إعلان وزير المالية غازي وزني عبر «تويتر» عن «توقيع مشروع قانون معجّل معدّ من قبل رئاسة الحكومة ويرمي إلى إقرار البطاقة التمويلية وفتح اعتماد إضافي لتمويلها» بدا استثنائياً. أن يعلن الوزير المختص أن المشروع الذي وقّعه ليس معدّاً من قبله يعني أنه تعمّد الإشارة إلى أنه لا يتبنّى هذا القانون ولا يتحمّل مسؤولية ما ينجم عنه. ولذلك، لم يكترث لكونه صاحب الصلاحية الأولى في طلب فتح اعتماد إضافي، تماماً كما هي الحال مع الموازنة. ولم يجد في إعداد رئاسة الحكومة للمشروع اعتداءً على صلاحياته. الأولوية بالنسبة إليه كانت رد كرة النار إلى مجلس الوزراء. فإذا فشلت كل الكتل الممثلة بلجنة ترشيد الدعم في الاتفاق على مصدر للتمويل، لن يأخذ على عاتقه هذه المهمة منفرداً.نهاية الأسبوع الماضي، أرسلت رئاسة الحكومة إلى وزني مسودة مشروع معجّل يرمي إلى إقرار البطاقة التمويلية وفتح اعتماد إضافي لتمويلها. وبحسب المعلومات، فقد طُلب منه، من موقعه كوزير للمالية، أن يقترح مصادر لتمويل البطاقة لا يكون من بينها المس بالاحتياطي وأموال المودعين، بناء على ما اتفق عليه في الاجتماع الأخير للجنة ترشيد الدعم.
لكن وزارة المالية، المتحفّظة أصلاً على آلية ترشيد الدعم وتوزيع البطاقة، اكتفت بتوقيع المشروع، مع تعديل بسيط يتعلق بالمبلغ المطلوب في الاعتماد. فالنص الأصلي أشار إلى أن كلفة البطاقة تقدّر بمليار و235 مليون دولار، ولأن الاعتماد سيفتح بالليرة حكماً، أضافت «المالية» عبارة «أي ما يعادل ألفاً و871 مليار ليرة». وبذلك، فإن نص المشروع، الذي يُفترض أن يُوقّع على إحالته، إضافة إلى وزني، وزيرا الاقتصاد والشؤون الاجتماعية، ثم رئيسا الحكومة والجمهورية، صار على الشكل الآتي:
المادة الأولى: يجاز للحكومة أن تصدر بطاقة تمويلية لمدة سنة كاملة، عبارة عن مساعدة مالية شهرية بمبلغ قيمته الوسطية 137 دولاراً أميركياً تغطي حوالى 750 ألف عائلة لبنانية، بقيمة 1.235 مليار دولار، أي ما يعادل 1.871 ألف مليار ليرة.
المادة الثانية: يُفتح اعتماد إضافي استثنائي بقيمة 1.235 مليار دولار، أي ما يعادل 1.871 ألف مليار ليرة، في الموازنة العامة لعام 2021 قبل تصديقها، ويدوّن فيها وفقاً لما تنص المادة 12 من قانون المحاسبة العمومية، وذلك لتغطية النفقات التي ترتّبها البطاقة التمويلية.
المادة الثالثة: يُغطّى الاعتماد المفتوح بزيادة تقدير واردات الموازنة لعام 2021.
وزني يوقّع «البطاقة التمويليّة» من دون أن يتبنّاها


بحسب مصادر وزارة المالية، فإن وزني وقّع المشروع، كي لا يتحمّل وزر رفضه شعبياً، لكن ذلك لا يعني أن يؤيده أو يدافع عنه. وتضيف المصادر: لذلك، كان وزير المالية واضحاً في التأكيد على أن معدّ المشروع هو رئاسة الحكومة، بناءً على اتفاق جرى في لجنة ترشيد الدعم. كما أوضحت أن الوزير لم يشارك في أغلب هذه الاجتماعات لأنه يعترض على كامل عمل اللجنة، فلا أحد يعلم كيف قُدّر عدد الأسر التي تشملها البطاقة بـ 750 ألفاً، ولا أحد يعرف على أيّ أسس تحددت قيمة البطاقة، أضف إلى اعتراضه على ترشيد الدعم، الذي لا يبدو واضحاً ماذا يشمل. باختصار، تفيد المصادر بأن المشروع هو مشروع حكومي وقد وقّعه وزير المالية بوصفه مشروعاً حكومياً كما سيفعل وزراء آخرون.
للتذكير، فإن البطاقة ستحدد قيمتها بناءً على المعيار الآتي: مبلغ مقطوع لكل أسرة بقيمة 26.4 دولاراً مهما كان عدد أفرادها + 26.4 دولاراً عن كل فرد من أفراد الأسرة (متوسط عدد الأسرة الواحدة هو 4.2 أشخاص، بما يعني أن متوسط الدعم الشهري للأسرة هو 137 دولاراً) مع حد أدنى قيمته 53 دولاراً للأسرة وحدّ أقصى قيمته 185 دولاراً.
هذه الحسبة لا تزال سارية نظرياً، لكن كان يتوقع من وزارة المالية أن تحوّل الكلفة إلى الليرة، لكن الأخيرة اعتبرت أن هذا ليس من شأنها وأن ما أحيل إليها محصور بطلب فتح اعتماد استثنائي، وهو ما حصل. وعليه، فإن الخلاف بشأن تمويل البطاقة لا يزال في الدائرة الأولى. وهو يقود إلى اعتبار أن إقرار المشروع لا يعني تنفيذ مشروع البطاقة التمويلية، إذ إن إقرار اعتماد إضافي بالليرة سيعني زيادة العجز بالقيمة نفسها، ما يحتّم إصدار سندات خزينة بالمبلغ. لكن ذلك لن يحل المشكلة، فقيمة البطاقة، بحسب ما اتفق أعضاء لجنة ترشيد الدعم، ستدفع بالدولار، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا أمّن مصرف لبنان هذه الدولارات من الاحتياطي. وبالتالي فإن الدفع للمستفيدين سيبقى معلقاً إلى حين حلّ هذه الإشكالية، علماً بأن إشكالية تحديد الـ 750 ألف عائلة المستفيدة من البرنامج لا تقل أهمية. أما تحويل قيمة البطاقة إلى الليرة، فسبق أن نوقش في اللجنة، وخلصت إلى أن ذلك يساهم في زيادة التضخم بشكل كبير، ما يفقد أي مبلغ يمكن أن تضمّه البطاقة قيمته، علماً بأن مخاطر التضخم لا تقل إذا دفعت البطاقة بالدولار. فهذه الفرضية لن تؤدي إلى خفض الطلب على الدولار، إذ إن المستوردين سيستمرون في الحصول على حاجتهم من الدولارات من السوق (نحو 6 مليارات دولار كانت قيمة الواردات غير المدعومة من مصرف لبنان). وبطبيعة الحال، فإن المصرف المركزي لن يكون بإمكانه السيطرة على سعر الصرف ما لم يتدخل عارضاً للدولار بكميات كبيرة، فهل يملك القدرة على ذلك؟ وهل يمكن أن يتدخّل مستعملاً أموال «الاحتياطي» في ظل معارضة رسمية للمس بهذا الاحتياطي حتى لتمويل البطاقة؟ علماً بأن هذه المعارضة لم تظهر إلا في الفترة الأخيرة. قبلها كان كل عمل اللجنة ينطلق من واقع أنه لا يمكن تمويل البطاقة إلا من الاحتياطي. لكن بالرغم من ذلك، لم يجد رئيس الحكومة من داعٍ لدعوة حاكم مصرف لبنان إلى الاجتماعات، معتقداً أنه حالما يتأمّن التوافق السياسي، يصير لزاماً على رياض سلامة التنفيذ. لا هذا حصل ولا ذاك. فالكتل السياسية، حالما أعطت الأولوية لحماية الاحتياطي، أنهت فرص تمرير البطاقة التمويلية. لكن أحداً منها لن يتجرّأ على إشهار ذلك، وهو ما يقود إلى عدم توقّع إقرار قانون البطاقة.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا